من قوّة قواهم وحشمتهم وجاههم وعلومهم ومعارفهم ولمّا كان أشرف النّعم الظّاهرة والباطنة ما يطرء للإنسان من الأحوال والأخلاق الإلهيّة الّتى تجعل الإنسان في حال طروّها في راحة وانبساط ولذّة ، وأصل الكلّ نعمة الولاية ومعرفتها وكان أقبح أقسام الكتمان كتمان تلك الأحوال وهذه المعرفة عن نفسه بان يصير الإنسان غافلا عن معرفته وعن لذّة أحواله أو مغمضا عنهما وكان تلك ادلّ دليل على نبوّة من اتّصف وامر بها وولايته صحّ تفسير الآية بكتمان ما آتاهم الله من ادلّة نبوّة محمّد (ص) أو ادلّة ولاية علىّ (ع) ممّا عرفوه من كتبهم واخبار أنبيائهم ومن القرآن واخبار محمّد (ص) وممّا وجدوه في نفوسهم من الأخلاق الاخرويّة الّتى هي أنموذج أخلاقهما وأحوالهما (وَأَعْتَدْنا) التفت من الغيبة الى التّكلّم تنشيطا للسّامع (لِلْكافِرِينَ) اى الكاتمين لنعم الله غير شاكرين لها بإظهارها فانّ إظهار النّعمة أحد أقسام الشّكر كما انّ كتمانها أحد أقسام كفرانها ، ووضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار بانّ الكاتمين لنعم الله معدودون من الكفرة (عَذاباً مُهِيناً) كما انّهم أهانوا نعمنا بالكتمان وعدم الإظهار فانّ الله إذا أنعم على عبد بنعمة احبّ ان يراها عليه وابتذال النّعم وتحديثها بالفعال خير من ابتذالها بالمقال ، ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من النّار (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) يعنى انّ المختال جامع بين طرفي السّخاء اى التّقتير والتّبذير لامتناعهم من أداء الحقوق المفروضة والمسنونة وصرفهم أموالهم فيما يتصوّرون انتفاعهم في الدّنيا به من مثل صيت وتعظيم من النّاس وغير ذلك ، والاوّل بخل مذموم والثّانى تبذير ملعون (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) من قبيل عطف العلّة على المعلول فانّ عدم الايمان علّة للإنفاق في سبيل الشّيطان ولعدم الإنفاق في سبيل الله يعنى البخل (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ) عطف على انّ الله لا يحبّ من كان مختالا فخورا ، أو جملة حاليّة والمقصود التّنبيه على انّ المرائى في الإنفاق مبذّر والمبذّر قرين الشّيطان ومن يكن الشّيطان (لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) لأداء اقترانه الى السّجن والسّجّين وملك الشّياطين فهو اشارة الى قياسات ثلاثة.
اعلم انّ الإنسان خلق مفطورا على التّعلّق والايتمار ومحلّا لتصرّف العقل والشّيطان ، ولمّا كان في بدو خلقته ضعيفا غير متجاوز عن المحسوسات ، والمحسوسات شبائك الشّيطان كان تصرّف الشّيطان فيه أقوى وأتمّ فما لم يساعده التّوفيق ولم يصل الى شيخ من الله مرشد له الى طريق نجاته تمكّن الشّيطان منه بحيث لم يبق له طريق الى حكومة العقل ولا للعقل طريق الى الحكومة عليه ، ولذلك قال ابو جعفر الاوّل (ع) في حديث : من أصبح من هذه الامّة لا امام له من الله عزوجل ظاهرا عادلا أصبح ضاّلا تائها ؛ وان مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق ، وفي الآيات نصوص وإشارات على وجوب الايتمار والايتمام بإمام منصوص من الله ، وفي الرّوايات عليه تصريحات ولكن كان على سمعهم وأبصارهم غشاوة فيرجّحون المفضول على الفاضل ولذا كان علىّ (ع) يرى الصّبر اجحى (وَما ذا عَلَيْهِمْ) استفهام إنكارىّ يعنى البتّة ليس عليهم كلفة دنيويّة ولا عقوبة اخرويّة (لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى بالمبدأ والمعاد حتّى أيقنوا انّ النّعمة من الله وانّ خزائنه لا تنفد بالإنفاق وانّ اعماله يجزى بها (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) قدّم الايمان هاهنا على الإنفاق وأخّر عدم الايمان في الآية السّابقة عن الإنفاق الرّيائىّ لكون الايمان بالله سببا للإنفاق في سبيل الله لعلم المؤمن بالله انّ الكلّ من الله وانّ الإنفاق لا يفنيه والإمساك لا يبقيه فلذلك ولتشريفهم قال هاهنا ممّا رزقهم الله ولكون عدم الإنفاق في سبيل الله