فليس لكم ان تأخذوها (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ) اى من الصّداق (نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً).
اعلم انّ الإنسان ذو نشأة محسوسة وذو نشأة غير محسوسة وله بحسب كلّ نشأة ما ينفعه وما يضرّه وكلّ من ميّز بين النّافع والضّارّ وقدر على جلب النّافع ودفع الضّارّ يسمّى عاقلا ورشيدا ، ومن لم يميّز أو لم يقدر يسمّى سفيها لكن لا ملازمة بين سفاهة الدّنيا وسفاهة الآخرة ؛ فكم من سفيه في الدّنيا عاقل في الآخرة ، وكم من عاقل في الدّنيا سفيه في الآخرة فمعاوية مع كونه ملقّبا بأعقل زمانه سفيه ، والبهلول مع كونه مجنونا عاقل ، واختلاف الاخبار في تفسير السّفيه بمن لم يكن تصرّفه في ماله على وجه يرتضيه العقل وبمن لم يعرف الحقّ وبشارب الخمر وبمن لم يدخل في هذا الأمر بحسب اختلاف النّشأتين ، فانّ العاقل بحسب النّشأة الآخرة من عرف إمامه ودخل على الوجه المقرّر في ولايته وبايعه بالبيعة الخاصّة وقبول الدّعوة الباطنة ودخل الايمان في قلبه ولذلك نسبوا الى شيعتهم العقل والعلم والتّعلّم والعرفان وغير ذلك ممّا يدلّ على كونهم عاقلين مع انّ أكثرهم لم يكونوا من أهل العلوم الرّسميّة والعقول الدّنيويّة بل كانوا في نظر أهل الدّنيا مجانين وسفهاء كما (قالُوا : أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) ، وقالوا : (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) ، وكما انّ الشّرع والعقل حاكمان بقبح إعطاء المال الدّنيوىّ للسّفيه من الأولاد والأزواج أو الأيتام الّذين في تربيتكم أو غيرهم ممّن يضيّع المال أو من لا يعرف الحقّ كذلك حاكمان بقبح إعطاء المال الاخروىّ من العلم والحكمة لمن لم يكن اهله ولم يعرف الحقّ فانّ الله يأمركم ان تؤدّوا الأمانات الى أهلها يعنى لا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تعطوها غير أهلها فتظلموها وتكونوا كمن علّق الدرّ على أعناق الخنازير (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) بان تمكّنوهم فيها لتحصيل رزقهم وكسوتهم منها بالعمل فيها بحيث لم ينقص من أصل المال شيء سواء زاد فيها بعملهم أو لا ، وانّما قال في الآية الآتية : وارزقوهم منها لان المعطى هناك من أصل المال (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) لا ازدراء فيه ولا لوم (وَ) امّا اموال اليتامى ف (ابْتَلُوا الْيَتامى) باختبار أحوالهم من أوان تميزهم وزمان صغرهم (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) وعدم تضييع للمال (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) عن الصّادق (ع) اشارة الى وجه من وجوه التّأويل في هذه انّه قال : إذا رأيتموهم يحبّون آل محمّد (ص) فادفعوهم درجة يعنى وابتلوا يتامى آل محمّد (ص) وراقبوا في تربيتهم ايّها المربّون ليتامى آل محمّد (ص) حتّى إذا بلغوا مقام الزّواج بالشّواهد الإلهيّة والواردات الغيبيّة فان آنستم منهم رشدا وثباتا في المحبّة وعدم إفشاء الأسرار بهوى النّفس فادفعوهم عن مقامهم الدّانى درجة كما هو شأن الائمّة (ع) والمشايخ في تربية أطفال الطّريق وأيتام السّلوك (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) تجاوزا عن حدّ المعروف (وَبِداراً) اى مسرعين في الأكل خوف (أَنْ يَكْبَرُوا) أو مبادرين كبرهم (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا) عن أموالهم بعدم اشتغاله بها عن معيشته أو بعدم حاجته إليها لغنائه في نفسه (فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً) لأجل اشتغاله عن مرمّة معيشته بواسطة إصلاح أموالهم أو كان فقيرا في نفسه (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) اى بقدر اجرة اشتغاله بها فانّ الأكل بالمعروف عند الشّرع والعقل ما كان بقدر اجرة اشتغاله عن إصلاح معيشته لا إصلاح معيشته عن أموالهم وان كان أضعاف عمله وبما فسّرنا يمكن الجمع بين المتخالفات من الاخبار في هذا المقام ولمّا كان السّورة المباركة أكثرها في آداب المعاشرة وتدبير