وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) يعنى ان كانوا يريدون بجعل الملائكة بنات تمثيلا لحال الملائكة في غاية قربهم من الله وكرامتهم عليه لا التّوالد الحقيقىّ فليمثّلوا بالمثل الأعلى له ولا يمثّلوا بمثل السّوء له ويبقوا المثل الأعلى لأنفسهم ، أو لله المثل الا على فليمثّلوا بالأمثال اللّائقة بعلوّه ممّا يدلّ على التّنزّه عن التّوالد (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب الّذى لا يتطرّق شبه الحاجة اليه ولا يمثّل له بما يوهم الحاجة (الْحَكِيمُ) الّذى لا يقول الّا عن علم بكنه كلّ شيء (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) ومنه تسمية الملائكة إناثا ونسبة الولد الى الله أو التّمثيل له بمثل غير لائق بشأنه (ما تَرَكَ عَلَيْها) على الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) لانّ ظلمهم قد سرى الى البهم من الدّوابّ وبجزائهم يهلك الدّوابّ أيضا (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ليبلغوا ما بلغوا من الشّقاوة ويتوب من يتوب ويسعد من يسعد (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) قد مضى انّ المعنى إذا قدّر مجيء أجلهم حتّى لا يستشكل بيستقدمون (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) من البنات والشّركاء في الرّياسة وأراذل الأموال (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) ان قرئ برفع الكذب فهو صفة لألسنتهم كما انّه قرئ الكذب بضمّتين مرفوعا وجمعا للكذوب وصفة لا لسنتهم ، وان قرئ بنصب الكذب كما هو المشهور فهو مفعول تصف وعلى الاوّل فقوله (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) مفعول تصف وعلى الثّانى فهو بدل من الكذب وقد قالوا لئن رجعت الى ربّى انّ لي عنده للحسنى ، ويجوز ان يكون انّ لهم الحسنى بتقدير اللّام تعليلا لتصف على الوجهين والمعنى لانّ لهم الحسنى في الدّنيا (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) لا كسب جرم في ذلك إثبات لضدّ ما ادّعوا لأنفسهم (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) فيما ادّعوا لأنفسهم أو في أعمالهم (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) كما أرسلتك الى هذه الامّة (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) كما زيّن لهؤلاء فلا تحزن على ما فعلوا فانّه ليس بأمر حادث في زمانك (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) فالشّيطان ولىّ الأمم الماضية في النّار اليوم أو هو ولىّ أمّتك اليوم بتزيين السّوء لهم كما كان ولىّ الأمم الماضية قبل ذلك (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) للأمم الماضية أو لامّتك وعلى اىّ تقدير فهو تهديد لامّته (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) لمّا علمت انّ غاية النّبوّة الدّلالة على الولاية ولو لا الولاية لما كان للنّبوّة غاية وانّ الّذى هو معظم ما اختلفوا فيه هو الولاية وهو النّبأ العظيم الّذى هم فيه مختلفون علمت انّ المعنى لتبيّن لهم الولاية (وَهُدىً وَرَحْمَةً) عطف على الفعل المؤوّل (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يذعنون بالله وبالآخرة أو يؤمنون بالايمان العامّ والبيعة النّبويّة ، واطلاق التّبيين لكونه عامّا ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حىّ عن بيّنة ، وتقييد الهداية والرّحمة لاختصاصهما بمن استحقّهما (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) بانبات الحبوب الّتى تحت ترابها والعروق الّتى فيها وكذلك احياؤكم بعد موتكم حالكونكم نطفة وجمادا وبعد موتكم عن الحيوة الحيوانيّة واحياؤكم في النّشور (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) دالّة على بعثكم وعلى علم الله وقدرته (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) يستسلمون فانّ السّماع اوّل مراتب الايمان ثمّ بعده الايمان ثمّ العقل ثمّ الفكر ، والتّذكّر يأتى في كلّ من المراتب ، والمراد بالسّماع الانقياد كما في قوله (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ولمّا كان دلالة إنزال الماء وإنبات عروق الأرض وحبوبها على علمه وقدرته واحياء