والشّيعة هم النّاس ، وغيرهم الله اعلم بهم ، ولو كان كما تزعم انّه العسل الّذى يأكله النّاس اذن ما أكل منه ولا شرب ذو عاهة الّا شفى لقول الله تعالى : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) ولا خلف لقول الله وانّما الشّفاء في علم القرآن (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ) لأهله لا شكّ ولا مرية واهله ائمّة الهدى الّذين قال الله (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) ولمّا كان النّحل وتدبيرها وشراب بطنها مظاهر للائمّة (ع) وتربيتهم للشّيعة وعلمهم كان التّفسير بالنّحل والبيوت المسدّسة وعسلها في محلّه ، ولمّا كان الوقوف على ظاهر الآية وحصر المقصود في النّحل الصّوريّة واستقلال النّحل بالقصد منافيا لمقصود الآية من كون القصد الى النّحل من حيث كونها مظهرا لا اصالة وكون المقصود استقلالا هو رؤساء الدّين كان انكار التّفسير بالنّحل الصّوريّة في محلّه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فانّه لا يكفى فيه السّماع والايمان ولا العقل والتّذكّر لكثرة دقائقه وخفاء طريق الانتقال الى قدرة بارئها والى ما يمثّل بها له (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) بآجالكم (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وهو وقت الهرم ، وفي الخبر : إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر ، وفي خبر آخر : ان يكون عقله مثل عقل ابن سبع سنين (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) لا يعلم ما علمه قبل ذلك ، وفي الخبر: انّ هذا ينقص منه جميع الأرواح وينقص روح الايمان وليس يضرّه شيئا (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بما ينبغي وانّ الموت قبل أرذل العمر خير لكم ولذلك لا يصل أكثركم الى أرذل العمر (قَدِيرٌ) على الإيصال الى أرذل العمر (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) هذه الجملة وسابقتها ولاحقتها إظهار لنعمه تعالى تمهيدا لذمّ الإشراك والكفران والتّفضيل بجعل بعض غنيّا وبعض فقيرا وبعض مالكا لرزقه ورزق غيره ، وبعض مملوكا هو ورزقه في يد غيره (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) ذكر اوّلا نعمة التّفضيل في الرّزق وانّ المنعم بها هو الله لا غير ، ثمّ ذكر تمهيدا لابطال الشّركاء انّكم لا ترضون فيما فضّلكم الله بتسوية مماليككم المجازيّة لكم فكيف ترضون بتسوية مماليكه الحقيقيّة فيما يختصّ بذاته تعالى له فالمعنى انّ الله فضّل بعضكم على بعض في الرّزق فما الّذين فضّلوا براضين لردّ الرّزق عن أنفسهم وإعطائه لمماليكهم حتّى يكونوا مساوين في رزق هو لهم من غيرهم ، أو المقصود إظهار الانعام عليهم وعلى مماليكهم على السّواء وانّ المنعم من كمال انعامه لا يفرّق بينهم وبين مماليكهم فالمعنى والله فضّل بعضكم على بعض في الرّزق وجعل رزق المماليك أيضا بيده لا بيد المالكين ، فما الّذين فضّلوا برادّى رزقهم على المماليك بل الله هو معطي أرزاق المماليك ؛ وعلى الاوّل فمعنى قوله (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) لا يرضون ان يكونوا مع المماليك في الرّزق سواء ، وعلى الثّانى فمعناه انّ المالكين والمملوكين في الارتزاق من الله سواء ولا فضيلة للمالكين على المملوكين في أصل الرّزق بل رزق الكلّ بيده يجرى عليهم على السّواء ، ويؤيّد هذا المعنى ما نقل انّ أبا ذرّ رحمهالله سمع النّبىّ (ص) انّه قال : انّما هم إخوانكم فاكسوهم ممّا تكتسون ، وأطعموهم ممّا تطعمون ، فما رأى عبده بعد ذلك الّا ورداؤه رداءه وإزاره إزاره من غير تفاوت فقوله (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) على هذا انكار لترك التسّوية بين الأنفس والمماليك وتسوية له جحودا ، وعلى الاوّل انكار لجحود نعمة التّفضيل والغفلة عنها وجعل عبيده تعالى شركاء له ومتساوين معه تعالى في الآلهة مع انّهم لا يرضون ذلك لأنفسهم (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً)