فسّر بالاختيال وبشدّة الفرح كليهما (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) لن تقوى على خرق الأرض أو لن تقوى على سيرها كلّها (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) ولن تبلغ بعظمة جثّتك عظمة الجبال أو لن تقوى على الصّعود الى قللها بجعل طولا تميزا محوّلا عن الفاعل أو محوّلا عن المفعول ، فمن كان عاجزا في نفسه غير قادر لا ينبغي له التّطاول والاختيال فهو تعليل للنّهى (كُلُّ ذلِكَ) المذكور من الخصال الأربع عشرة المحلّل الى الأكثر من قوله : و (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (الى قوله) (طُولاً كانَ سَيِّئُهُ) في الفعل إذا كان منهيّا عنه ، وفي التّرك إذا كان مأمورا به ، وقرئ سيّئة بالتّاء (عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ذلِكَ) المذكور من الخصال (مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) العلميّة والعمليّة (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) كرّره للاشارة الى انّ التّوحيد اهمّ الخصال وكما انّه مبدء لها علما غاية لها حالا وعيانا وتحقّقا فالاوّل لتوحيد الوجوب والآلهة وهذا التّوحيد الوجود لانّه غاية الغايات ومنتهى النّهايات ، أو الاوّل لتوحيد الآلهة في نفسها وهذا لتوحيدها في مظهرها الولوىّ كأنّه قال : ولا تجعل مع علىّ (ع) وليّا آخر فانّه أيضا غاية التّوحيد العلمىّ وغاية سائر الخصال العمليّة (فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً) عند نفسك وعند الله وعند الملائكة وعند النّاس (مَدْحُوراً) مبعدا من الرّحمة ، ولمّا كان هذه السّورة نزلت بمكّة ولم يكن الدّين قويّا ولا المؤمنون راسخين لم يغلظ الله تعالى في أوامرها ونواهيها بل أبداها على طريق النّصح والملاينة كما روى عن الباقر (ع) ، انّه لمّا نزل بمكّة على طريق أدب وعظة وتعظيم ونهى خفيف ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شيء ممّا نهى عنه وانذر نهيا عن أشياء حذّر عليها ولم يغلّظ ولم يتواعد عليها (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) ردّ على من قال : انّ الملائكة جميعا أو بعضهم بنات الله كبعض قريش وبعض الهنود (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) بإثبات الولد لله وتفضيل أنفسكم ونسبة الذكّورة والانوثة الى الملائكة المجرّدة العالية منهما ، وتوصيفهم بالانوثة الّتى هي اخسّهما وإثبات الولد الاخسّ لله العلىّ العظيم (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ) إسقاط المفعول للتّعميم يعنى صرّفنا كثير تصريف في أمثال عديدة وألفاظ كثيرة كلّما ينبغي ان يذكر لهم من الحجج والحكايات والعبر والمواعظ والأحكام ، ويحتمل ان يكون الصّيغة لتكثير المفعول اى صرّفنا كثيرا من المعاني الّتى ينبغي ان تذكر (لِيَذَّكَّرُوا) اى ليتذكّروا ويتّعظوا (وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) يعنى انّهم لغاية حمقهم صار ما هو سبب تذكّرهم وتقرّبهم سبب نفورهم وبعدهم (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) وضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار ببرهان ابطال كون الآلهة معه يعنى انّه مالك العرش والعرش جملة المخلوقات ومنها ما تفرضونها الهة فكيف يكونون الهة معه مع كونهم مملوكين له أو انّه صاحب السّرير وصاحب السّرير عبارة عن صاحب الملك وانّكم تسلمون انّه صاحب السّرير والسّلطنة من غير منازع فلو كان معه الهة لابتغوا اليه سبيلا بالمنازعة وما سلم له الملك ، ولمّا كان الملك مسلّما له فلا الهة معه وقد فسّروا الآية بانّهم طلبوا التّقرّب الى ذي العرش واستشهدوا على ذلك بقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ)(إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً تُسَبِّحُ لَهُ) اى تسبّحه على ان يكون اللّام للتّقوية أو تنزّه وجودها من شوب النّقص والتّعيّن للتّقرّب الى الله (السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) اى ما فيهنّ لكن أتى بمن تغليبا ، ولانّ التّسبيح من أوصاف العقلاء فلمّا نسب إليها