فأخذت مالا له خطر ، فذهبت به إلى من يدخلني إلى المجلس ، فأدخلوني ، وإذا بالسّيوف قد جرّدت ، وبالرماح قد ركّزت ، وبالتّراس قد صفّفت ، وبالسّياط قد طرحت (١) ، فألبسوني قباء أسود ومنطقة وسيفا ، ووقّفوني حيث أسمع الكلام. فأتى أمير المؤمنين ، فجلس على كرسيّ ، وأتى بأحمد بن حنبل ، فقال له : وقرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأضربنّك بالسّياط ، أو تقول كما أقول.
ثمّ التفت إلى جلّاد فقال : خذه إليك. فأخذه ، فلمّا ضرب سوطا قال : بسم الله. فلمّا ضرب الثّاني قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله. فلمّا ضرب الثّالث قال : القرآن كلام الله غير مخلوق. فلمّا ضرب الرابع قال : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) (٢).
فضربه تسعة وعشرين سوطا. وكانت تكّة أحمد حاشية ثوب ، فانقطعت ، فنزل السّراويل إلى عانته ، فقلت : السّاعة ينهتك.
فرمى بطرفه إلى السّماء ، وحرّك شفتيه ، فما كان بأسرع من أن بقي السّراويل لم ينزل. فدخلت عليه بعد سبعة أيّام ، فقلت : يا أبا عبد الله رأيتك وقد انحلّ سراويلك ، فرفعت رأسك أو أطرافك إلى السّماء ، فما قلت؟ قال : قلت : اللهمّ إنّي أسألك باسمك الّذي ملأت به العرش إن كنت تعلم أنّي على الصّواب ، فلا تهتك لي سترا (٣).
وقال جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهانيّ : ثنا أحمد بن أبي عبيد الله قال : قال أحمد بن الفرج : حضرت أحمد بن حنبل لمّا ضرب ، فتقدّم أبو الدّنّ فضربه بضعة عشر سوطا ، فأقبل الدّم من أكتافه ، وكان عليه سراويل ، فانقطع خيطه ، فنزل السّراويل ، فلحظته وقد حرّك شفتيه ، فعاد السّراويل كما كان ، فسألته عن ذلك فقال : قلت : إلهي وسيّدي ، وقفتني هذا الموقف ، فتهتكني
__________________
(١) في : سير أعلام النبلاء ١١ / ٢٥٤ : «وضعت».
(٢) سورة التوبة ، الآية ٥١.
(٣) قال المؤلّف ـ رحمهالله ـ : هذه حكاية منكرة ، أخاف أن يكون داود وضعها. (سير أعلام النبلاء ١١ / ٢٥٥).