(وليس في كلام أبي حنيفة و) أصحابه (المتقدمين تصريح بذلك ، سوى ما أخذوه) يعني : المتأخرون (من قوله) يعني قول أبي حنيفة : (كان تعالى خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق) فإن هذا صريح في قدم الخلق وقدم الرزق ، وسيأتي من كلام أبي حنيفة تحقيق رجوع القدم إلى صفة القدرة ، (وذكروا له) أي : لما ادعوه من قدم الصفات الراجعة إلى التكوين وزياداتها (أوجها من الاستدلال) منها :
ـ وهو عمدتهم في إثبات هذا المدعى ـ : أن «الباري تعالى مكوّن الأشياء» ، أي : موجدها ومنشئها إجماعا ، «وهو» أي : كونه تعالى مكون الأشياء ، «بدون صفة التكوين التي المكونات آثار تحصل عن تعلقاتها بها محال» ضرورة استحالة وجود الأثر بدون الصفة التي بها يحصل الأثر ، كالعالم بلا علم ، ولا بدّ أن تكون صفة التكوين أزلية لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى.
وقد أجيب : بأن ذلك ، أعني استحالة وجود الأثر بدون الصفة ، إنما تكون في الصفات الحقيقية كالعلم والقدرة ، ولا نسلم أن التأثير والإيجاد كذلك ، بل هو معنى يعقل من إضافة المؤثر إلى الأثر ، فلا يكون إلا فيما لا يزال ولا يفتقر إلا إلى صفة القدرة والإرادة لا إلى صفة زائدة عليهما.
ومنها وجوه أخرى في الاستدلال مقررة مع الأجوبة عنها في المطولات (١).
(والأشاعرة يقولون : ليست صفة التكوين على فصولها) أي : تفاصيلها (سوى صفة القدرة باعتبار تعلّقها بمتعلّق خاص ، فالتخليق) هو (القدرة باعتبار تعلّقها بالمخلوق ، والترزيق تعلقها بإيصال الرزق) كذا وقع في المتن أن التخليق القدرة باعتبار تعلقها والترزيق تعلقها ، وكان اللائق الجريان فيهما على منوال واحد ، وكذا في غيرهما من فصول صفة التكوين ، كأن يقال على المنوال الأول : «والترزيق صفة القدرة باعتبار تعلقها بإيصال الرزق» ، وعلى المنوال الثاني : «فالتخليق تعلق القدرة بإيجاد المخلوق ، والترزيق تعلقها بإيصال الرزق» وهذا هو اللائق بطريق الأشاعرة ؛ لأنهم قائلون بأن صفات الأفعال حادثة لأنها عبارة عن تعلقات القدرة ، والتعلقات حادثة.
__________________
(١) انظر : الحواشي البهية ، ٢ / ٢٨٥ ، وشرح المواقف مع حواشي السيالكوتي والحلبي ، ٨ / ٨١ ـ ٨٧.