(وما ذكروه) يعني مشايخ الحنفية (في معناه) أي : في معنى التكوين الذي هو لفظ يجمع صفات الأفعال من أنها صفات تدل على تأثير إلى آخر ما سبق عنهم (لا ينفي هذا) الذي قاله الأشاعرة (و) لا (يوجب كونها) أي : كون صفة التكوين على فصولها (صفات أخرى لا ترجع إلى القدرة المتعلّقة) بما ذكر من إيجاد المخلوق وإيصال الرزق ونحوها ، (و) إلى (الإرادة المتعلقة) بذلك ، (ولا يلزم في دليل لهم) من الأوجه التي استدلوا بها (ذلك) الأمر من نفي ما قاله الأشاعرة وإيجاب كونها صفات أخرى.
(وأما نسبتهم ذلك للمتقدمين ففيه نظر) إذ لم يثبت التصريح به عن أحد منهم فيما نعلمه ، (بل في كلام أبي حنيفة) نفسه رحمهالله (ما يفيد أن ذلك على ما فهم الأشاعرة من هذه الصفات على ما نقله) عنه (الطحاويّ ، قال) أي : الطحاوي نقلا عنه ما نصه : («وكما كان) تعالى (بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا ، ليس منذ خلق الخلق استفاد اسم الخالق ، ولا بإحداثه البريّة استفاد اسم البارئ ، له معنى الربوبية ولا) أي : والحال أنه لا (مربوب) موجود ، (ومعنى الخالق ولا) أي : والحال أنه لا (مخلوق) موجود ، (وكما أنه محيي الموتى استحق هذا الاسم قبل إحيائهم ، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم ، ذلك بأنه على كل شيء قدير» (١) اه.) فقوله : «ذلك بأنه على كل شيء قدير» تعليل وبيان لاستحقاق اسم الخالق قبل المخلوق ، (فأفاد أن معنى الخالق قبل الخلق ، واستحقاق اسمه) أي : الاسم الذي هو الخالق في الأزل (بسبب قيام قدرته) تعالى (عليه) أي : على الخلق ، (فاسم الخالق و) الحال أنه (لا مخلوق في الأزل لمن له قدرة الخلق في الأزل ، وهذا) هو (ما يقوله الأشاعرة) لا خلافه (والله الموفّق).
واعلم أن إطلاق الخالق بمعنى القادر على الخلق مجاز ، من قبيل إطلاق ما بالقوة على ما بالفعل ، وكذا الرازق ونحوه ، وأما في قول أبي حنيفة : «كان خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق» فمن قبيل إطلاق المشتق قبل وجود المعنى المشتق منه كما هو مقرر في مبادئ أصول الفقه ، وقد وقع في «البحر» للزركشي أن إطلاق الخالق والرازق ونحوهما في حقه تعالى قبل وجود الخلق والرزق حقيقة ، وإن قلنا صفات الأفعال من الخلق والرزق ونحوهما حادثة ، وفيه بحث لأن قوله : «وإن قلنا ... إلخ» ممنوع عند الأشعرية القائلين بحدوث صفات الأفعال ، إنما يلائم
__________________
(١) انظر : شرح العقيدة الطحاوية ، ١ / ٩٦.