المقدور ؛ لأن القدرة صفة تؤثر على وفق الإرادة ، ويستحيل اجتماع مؤثرين مستقلين على أثر واحد ، (فوجب تخصيص) عمومات (النصوص) السابق بعضها (بما سوى أفعال العباد الاختياريّة ، فيكونون) أي : العباد (مستقلّين بإيجاد أفعالهم) الاختيارية (بقدرهم الحادثة) التي تحدث (بخلق الله تعالى) إياها لهم (كما هو) أي : ذلك الاستقلال بالإيجاد (رأي المعتزلة والفلاسفة بلا فرق) بين الفريقين (غير) الفرق في كيفية حدوث القدرة وهو : (أن قدرة العبد حادثة بإيجاد الله تعالى باختياره) تعالى (عند المعتزلة) لاعتقادهم كأهل الحق أنه تعالى فاعل بالاختيار لا موجب بالذّات (١) ، (وبطريق الإيجاب) بالذات (عند تمام الاستعداد) من المحل القابل (٢) (عند الفلاسفة) لاعتقادهم أنه ـ تعالى عما يقولون ـ موجب بالذات لا فاعل بالاختيار ، (وإلا) أي : وإن لا يكن العباد مستقلين بإيجاد أفعالهم الاختيارية لعدم تخصيص النصوص (كان) إيجادها بخلق الباري تعالى (جبرا محضا) ، إذ الفرض أنه لا تأثير لقدرة العبد أصلا في إيجادها ، وإذا كان كذلك (فيبطل الأمر والنهي) إذ لا معنى للأمر بما لا يكون فعلا للمأمور ولا يدخل تحت قدرته ، كأن يطلب من إنسان خلق الحيوان أو الطيران إلى السماء ، أو يطلب من الجماد المشي على الأرض.
(فالجواب) من طرف أهل السنة (وهو حاصل الأصل الثاني) في كلام حجة الاسلام (أن الحركة مثلا كما أنّها وصف للعبد ومخلوقة للرب) سبحانه ، (لها) أيضا (نسبة إلى قدرة العبد فسمّيت) أي : الحركة (باعتبار تلك النسبة) أي : نسبتها إلى قدرة العبد (كسبا) بمعنى أنها مكسوبة للعبد (وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون بالاختراع) الذي هو خاصيتها أي : التأثير (فقط ، إذ قدرة الله تعالى متعلّقة في الأزل بالعالم ولم يحصل الاختراع بها إذ ذاك ، و) هي (عند الاختراع تتعلق به نوعا آخر من التعلّق ، فبطل أن القدرة) من حيث تعلقها (تختص (٣) بإيجاد المقدور) بها ، (ولم يلزم الجبر المحض) كما زعم الخصم ، (إذ كانت) الحركة المذكورة (متعلّق قدرة العبد داخلة في اختياره) وهذا التعلق هو
__________________
(١) الموجب بالذات : اعتقاد من اعتقادات الفلاسفة الباطلة ؛ وفحوى اعتقادهم سيأتي شرحه تفصيلا في أواخر هذا الكتاب.
(٢) يقصدون بالمحل القابل : المحل عند الفلاسفة منحصر في الهيولي والموضوع ، ويسمى المادة ، تفيض هذه المادة من الفاعل بالاختيار ، وتتحول إلى أعيان ثابتة في الوجود.
(٣) في (م) : مختصة.