المسمى عندنا بالكسب (١) ، هذا حاصل ما ذكره حجة الاسلام.
ولما لم يوافقه المصنف عليه قال : (ولقائل أن يقول : قولكم) معشر أهل السنة (إنها) أي : الحركة الاختيارية (تتعلق بالقدرة) وحق العبارة أن يقال : «قولكم : إن قدرة العبد تتعلق بالحركة» (لا على وجه التأثير) فيها ، (و) أن التعلق لا على وجه التأثير (هو الكسب مجرّد ألفاظ لم يحصّلوا لها معنى ، ونحن) معشر أهل اللغة العربية (إنما نفهم من الكسب التحصيل ، وتحصيل الفعل المعدوم ليس إلا إدخاله في الوجود ، وهو إيجاده ، وقولكم بأن القدرة) الحادثة (تتعلق بلا تأثير ، كتعلّق القدرة القديمة في الأزل).
(قلنا :) ممنوع ، وتحقيق المقام أن نقول : (معنى ذلك التعلّق) الأزليّ للقدرة القديمة (نسبة المعلوم) الوقوع (من مقدوراتها إليها بأنها ستؤثر في إيجاده عند وقته) فالباء في قوله : «بأنها» للإلصاق ، ومدخولها محذوف ، أي : بمعنى أنها ستؤثر في إيجاد ذلك المعلوم عند وقت وجوده ، فالهاء في «وقته» عائدة للوجود المفهوم من الإيجاد (وذلك أن القدرة إنما تؤثّر) وقوع الشيء (على وفق الإرادة ، وتعلّق الإرادة بوجود (٢) الشيء هو تخصيصه) أي : تخصيص ذلك الوقوع (بوقته) دون ما قبله وما بعده من الأوقات ، (والقدرة الحادثة يستحيل فيها ذلك ؛ لأنها مقارنة للفعل عندكم) معشر الأشاعرة (فلم يكن تعلقها) بالفعل (إلا) على غير ما ذكرتم ، إما (بالتأثير) كما هو الظاهر (أو تثبتوا (٣) له) أي : لتعلقها بالفعل (معنى محصّلا ينظر فيه) ليقبل أو يرد.
(ولو سلّم) ما ذكرتم من أن قدرة العبد تتعلّق بالفعل بلا تأثير فيه لم يكن كافيا في ثبوت مدعاكم بما ذكرتم من وجوب استناد الحوادث كلها إليه تعالى بالخلق ، حملا للنصوص السابق بعضها على عمومها ، فإنما يسوغ العمل
__________________
(١) نظرية الكسب : عند الأشعري تتلخص في أن القدرة التي يستعملها الإنسان للقيام بفعل ما هي مخلوقة لله في اللحظة التي يقوم فيها بهذا الفعل ، وهي لا تصلح إلا لهذا العمل بالذات ، ولا تصلح للقيام بغيره أو بضده ، فالكسب عنده اقتران قدرة الإنسان بفعل الله ، وبذلك يخالف الماتريدي الذي يقول بأن هذه القدرة صالحة لأي فعل ، وأن الإنسان قادر على توجيهها الوجهة التي يريد ، أما أنها مخلوقة لله فهو ناتج من أن الإنسان وما يصدر عنه مخلوق لله ؛ فالكسب عنده بمعنى الخلق ، ولكن ليس خلقا من العدم بل من مادة سابقة.
(٢) في (م) : بوقوع.
(٣) في (ط) : تبينوا.