تعالى في العبد عند قصده اكتساب الفعل مع سلامة الأسباب والآلات (١) ، ونقل فيه أيضا أنها عند جمهور أهل السنة شرط لوجود الفعل (٢) ، يعني أنها شرط عادي يتوقف الفعل على تعلقها به توقّف المشروط على الشرط ؛ لا توقف المتأثّر على المؤثّر (٣) ، وبهذا يظهر أن مناط التكليف بعد خلق الاختيار للعبد هو قصده الفعل وتعليقه قدرته به ، بأن يقصده قصدا مصمّما طاعة كان أو معصية ، وإن لم تؤثر قدرته وجود الفعل لمانع هو تعلق قدرة الله تعالى التي لا يقاومها شيء بإيجاد ذلك الفعل.
فإن قيل : القدرة عندكم معشر الأشعرية مقارنة للفعل لا قبله ، فكيف يتصوّر (٤) تعليق العبد إياها بالفعل قبل وجودها؟
قلنا : لمّا اطّردت العادة الإلهية بخلق الاختيار المترتّب عليه صحة قصد الفعل أو الترك ، وبخلق القدرة عقب هذا القصد عند مباشرة الفعل ، سواء كان ذلك كفّا للنفس أو غير كفّ ؛ لأن وجودها مع المباشرة متحقق الوقوع بحسب اطراد العادة ، فصح تعليقها بالفعل المباشر ، بأن يقصده قصدا مصمما لتحقق وقوعها (٥) مع المشروع فيه (٦).
إذا تقرر ذلك ظهر أن تعلق قدرة العبد التي تعلّقها شرط هو الكسب الذي هو مناط الثواب والعقاب.
وهذا التحقيق لائق بكلام المصنف فيما بعد ، لكني رأيت تقديمه هنا ليظهر
__________________
(١) انظر : شرح العقائد ، ص ٩٠.
(٢) انظر : المرجع السابق ، ص ٩٣.
(٣) والفرق بين توقف المشروط على الشرط ، وتوقف المتأثر على المؤثر ؛ أن توقف شيء على شيء له صور متعددة : فإن كان من جهة الشروع فإنه مقدمة ، ومن جهة الشعور يسمى معرفا ، ومن جهة الوجود : إن كان داخلا فيه يسمى ركنا ، وإلا فإن كان مؤثرا فيه يسمى علة فاعلية ، وإلا يسمى شرطا وجوديا وعدما ، فالفرق في الفاعلية ؛ أي أن القدرة شرط وجودي لحصول الفعل وليس علة فاعلية ، حتى لا يؤدي ذلك إلى القول بخلق الفعل ، ومعنى قولنا : شرط عادي أي : يمكن الشروع بدونه ، وهو باب الإمكان العقلي ؛ لأن الله هو الذي رتب ذلك السبب والمسبب.
(٤) في (ط) : تصوير.
(٥) في (م) : وجودها.
(٦) فالقدرة المخلوقة تكون مع الفعل لا قبله ولا بعده ، وهذا الذي عليه أهل السنة ، وصرح به الإمام أبو حنيفة في وصية الموت ، ولا تصلح هذه القدرة للضدين ، بل للفعل المشروع فيه بالعزم والتصميم.