ارتباطه بكلام الخصم وكونه ردا له ، وفيه مع ذلك مزيد توضيح يقرب به فهم الكسب عند الأشعري وبالله التوفيق.
واعلم أن قول المصنف هنا : «لوجوب تخصيص تلك النصوص بأفعال العباد» قد يتوهّم مناقضته لقوله فيما سبق : «فوجب تخصيص النصوص بما سوى أفعال العباد الاختيارية» وليس مناقضا له ؛ لأن المراد بالتخصيص فيما سبق جعل النصوص العامة خاصة بما سوى أفعال العباد الاختيارية ، وأن ذلك هو المقصود منها بالحكم ، والمراد هنا أن ذلك التخصيص حصل بسبب إخراج أفعال العباد الاختيارية ، فإن النظر فيها والفرق بينها وبين الأفعال الاضطرارية أدى إلى التخصيص ، فالباء هنا للسببية ، وفيما سبق صلة التخصيص. وبالله التوفيق.
(وما قيل) لبيان أن الفعل مكسوب للعبد تتعلق به قدرته لا على وجه التأثير ، ومخلوق لله تعالى تتعلق به قدرته على وجه التأثير (إيجاد الحركة) برفع «إيجاد» مبتدأ وقوله : (غير الحركة) خبره ، والجملة وما بعدها هو المقول ، وهو بدل من ما قيل ، و «ما» مبتدأ ، خبره قوله فيما بعد «فأجنبي» ، والمعنى أن إيجاد الحركة غير الحركة نفسها بلا شك (فالإيجاد) هو (فعل الله تعالى ، والموجود وهو الحركة فعل العبد ، و) العبد (موصوف به حتى يشتقّ له) أي : للعبد (منه اسم المتحرك ، وليس يشتق للموجد اسم من متعلق فعله ، فلا يقال لموجد البياض في غيره : أبيض) ولا لموجد السواد في غيره أسود ، ولا لموجد الكلام في جسم متكلم ، كما مر في محله (بخلاف من قام به) البياض ونحوه ، كالسواد والكلام ، إذ يشتق له منه اسم فيقال : أبيض وأسود ومتكلم ، وقوله : (فأجنبي) هو خبر «ما» كما مر ، يعني أن مقول قيل «أجنبي عما نحن فيه» وهو التعلق لا على وجه التأثير ، (إذ لا يتعرّض) هذا المقول (إلا لكونه) أي : العبد (متصفا بالعرض) من البياض والسواد والكلام ونحوها (بعد إيجاد غيره إياه (١) فيه) أي : إيجاد غير العبد ذلك العرض في العبد ، (وهذا) أي : اتصاف العبد بالعرض الذي أوجده غيره فيه (لا يوجب دخوله) أي : العرض (تحت اختياره) بحيث يتوقف وجوده على اختيار العبد ، (فضلا عن تعلق قدرته) أي : العبد (به) أي : بذلك العرض ، فلم يفد المقول المطلوب وهو إثبات تعلق قدرة العبد لا على وجه التأثير والإيجاد.
(فإن قيل :) في إثبات تعلق قدرة العبد لا على وجه التأثير (قام البرهان) من
__________________
(١) في (ط) : أبدا.