العقل والنقل كما تقدم في صدر هذا الأصل (على وجوب كون كل موجود صادرا عن قدرته تعالى ابتداء بلا واسطة ، و) قام البرهان أيضا من العقل (على وجوب تعلق قدرة العبد بأفعاله الاختيارية للعلم الضروري بالتفرقة بين حركتيه صاعدا وساقطا) بأن حركته صاعدا اختيارية وحركته ساقطا اضطرارية ، (فنقول بهما) أي : بالأمرين اللذين قام البرهان على كل منهما (وإن لم تعلم حقيقة كيفية هذا التعلق) وهو الثاني منهما (فإنه) أي : علم كيفية هذا التعلق (غير لازم لنا) إذ لسنا متعبدين بتعرف مثل حقيقة كيفيته (١).
(قلنا :) في الجواب : (حاصل هذا) الذي قررتموه (اعترافكم بأن العلم الضروري بتعلق قدرة العبد بحركته صاعدا) أمر (ثابت) لا ارتياب فيه ، (ثم) بعد اعترافكم بذلك (ادّعيتم أنه) أي : الشأن (ألجأ إلى كونه على خلاف المعقول من معنى تعلق القدرة بمقدورها ، من كونه بلا تأثير وإيجاد لا ندري على أي وجه هو ملجئ) وحل هذا التركيب أن قوله : «ألجأ» فعل ماض ، فاعله قوله آخرا : «ملجئ» ، وقوله : «من معنى» متعلق بالمعقول ، وقوله : «من كونه بلا تأثير» بيان لقوله : «خلاف».
أي : ثم ادعيتم أنه ألجأكم ملجئ إلى القول بكون تعلق قدرة العبد بالفعل على وجه يخالف ما يعقل من معنى تعلق القدرة بمقدورها ، وذلك الوجه المخالف هو أن تعلق قدرة العبد بلا تأثير منه وإيجاد للمقدور ، وإنكم لا تدرون كيفية ذلك التعلق ، والعطف في قوله : «وإيجاد» تفسيري (و) ذلك الملجئ (هو براهين وجوب استناد كل الحوادث إلى القدرة القديمة بالإيجاد) وقد تقدم بعضها في صدر هذا الأصل (وهو) أي : ما ادعيتموه من أنه ألجأكم إلى تلك البراهين المشار إليها (غير صحيح ، فإن تلك البراهين إنما تلجئ لو لم تكن) أي : تلك البراهين (عمومات لا تحتمل التخصيص) كذا فيما رأيته من النسخ ، واللائق حذف «لا» ، بأن يقال : «لو لم تكن عمومات تحتمل التخصيص بأن كانت غير عمومات ، أو عمومات لا تحتمل التخصيص» ، ويدل لكون اللائق حذف «لا» أنه المناسب لقوله : (فأما إذا كانت إياها) أي : فأما إذا كانت عمومات تحتمل التخصيص (ووجد ما يوجب
__________________
(١) الكيفية : هي عرض لا يقتضي لذاته قسمة ولا نسبة ، وتنقسم إلى أربعة أقسام : الكيفية الجسمية والكيفية النفسية والكيفية الاستعدادية والكيفية الكمية ، والكيفية الأخيرة تندرج ضمن الأولى وتعد اعتبارية من جهة النسبة لصعوبة تحديدها.