التخصيص فلا) تلجئ البراهين المشار إليها إلى ما ذكرتم (لكن الأمر كذلك) وهو أن البراهين المذكورة عمومات تحتمل التخصيص ، لها مخصص (وذلك المخصص أمر عقلي هو أن إرادة العموم فيها تستلزم الجبر المحض).
وقوله : (المستلزم) صفة كاشفة للجبر المحض ؛ لأن من شأن الجبر المحض أنه مستلزم (لضياع التكليف وبطلان الأمر والنهي) وفي ذلك إبطال الشرائع.
وقد علمت مما مر أن احتمال التخصيص لا يقتضي إسناد جميع أفعال العباد إليهم ، وأنه يكتفى في بيان حقية مذهب أهل السنة بإسناد جزئي واحد قلبي.
هذا ، ومما يضعف رعاية احتمال التخصيص ويقوي المحافظة على العموم ما أمكن أن سياق النصوص المشار إليها في معرض التمدح ينافي التخصيص ، فليتأمل.
ولما كان ما ذكره المصنف إنما يأتي في النقليات ؛ لأن العموم وتخصيصه من خصائص النقليات ، ورد أن يقال : «بقي أن يكون الملجئ هو البراهين العقلية» وما ذكرت لا تعرض فيه لها.
فأجاب عنه بقوله : (وأما ما ذكروه من العقليات مما موضعه غير هذا المختصر) كتأليفات الإمام (١) ، و «المواقف» ، و «المقاصد» وشرحيهما (فليس شيء منها لازما) للخصم يصلح مستندا للإلجاء المدعى (على ما يعلمه الواقف عليها بأدنى تأمل) فيها ، (وكيف) يكون شيء منها لازما (ولو تم منها ما) أي : دليل (يلجئ إلى ما ذكر) من كون التعلق على وجه يخالف المعقول (استلزم ما ذكرنا) من (بطلان التكليف ، وقد قدمنا أن تعلق القدرة بلا تأثير لا يدفعه) أي : لا يدفع استلزامه بطلان التكليف ، (لأن الموجب للجبر) أي : للقول بالجبر المحض (ليس سوى أن لا تأثير) أي : ليس سوى قولنا بأنه لا تأثير (لقدرة العبد في إيجاد فعل) أصلا ، (وهو) أي : الجبر ، والمراد اعتقاد الجبر (باطل ، وملزوم الباطل باطل) فملزوم الجبر وهو موجبه يعني اعتقاد أن لا تأثير لقدرة العبد في إيجاد فعله باطل.
(ولهذا صرح جماعة من محققي المتأخرين من الأشاعرة بأن مآل كلامهم هذا) أي : مرجع قولهم أن قدرة العبد تتعلق لا على وجه التأثير الذي يؤول إليه آخرا (هو الجبر ، وأن الإنسان مضطر في صورة مختار) لوقوع الفعل على وفق
__________________
(١) الغزالي ؛ ومنها الاقتصاد في الاعتقاد ، ومعارج القدس ، وقواعد العقائد ، وقانون التأويل ، وتهافت الفلاسفة ، والمنقذ من الضلال ... الخ.