اختياره ، من غير تأثير لقدرته المقارنة له (١).
(واعلم أنّا لما ذكرنا) آنفا (أن ما أورده من) متمسكاتهم (العقليات التي ظنوا إحالتها استناد شيء) أي : ظنوا أنها تدل على استحالة استناد شيء (من الأفعال الاختيارية إلى العباد لم تسلم) هذا خبر «أن» ، أي : لما ذكرنا أن ما أورده من العقليات لم تسلم من القدح ونبهنا على بطلانه بالاستلزام الذي ذكرناه (لم يبق عندنا في حكم العقل مانع عقلي من ذلك) أي : من تأثير قدرة العبد في الفعل ؛ لأنا لم نجد ما يمنع من ذلك عقلا ؛ بل قد وجدنا ما يدل على انتفاء المانع من ذلك ، (فإنه لو عرّف الله تعالى) العبد (العاقل) أي : أعلمه (أفعال الخير والشر ، ثم خلق له قدرة أمكنه بها من الفعل) لما أمر به من الخير ، (والترك) لما نهى عنه من الشر ، (ثم كلّفه بإتيان الخير) أي : بأن يأتي به (ووعده عليه) أي : على الإتيان به الثواب ، وترك الشر) أي : وكلفه بترك الشر (وأوعده عليه) أي : على الشر إذا أتى به بالعقاب ، وقوله : (بناء) متعلق بقوله : «كلفه» أي : كلفه بذلك بناء (على ذلك الإقدار) أي : خلق القدرة المذكورة (لم يوجب ذلك) هذا جواب «لو» أي : لو وقع ما ذكر من تعريف الأمرين وخلق القدرة والتكليف بما ذكر لم يوجب وقوع هذه الأمور (نقصا في الألوهية) ليكون مانعا من القول بتأثير قدرة العبد (إذ غاية ما فيه) أي : ما في وقوع الأمور المذكورة (أنه) تعالى (أقدره) أي : أقدر العبد العاقل (على بعض مقدوراته تعالى ، كما أنه أعلمنا) معشر العباد العقلاء (بعض معلوماته سبحانه تفضلا) منه تعالى ، ولم يوجب ذلك نقصا في الألوهية وفاقا منا ومنكم (٢).
وقوله : (وإن كان قد يرى) أي : يظن (فرق بين العلم والخلق ؛) إشارة إلى سؤال بإيراد جوابه.
أما السؤال فهو أن يقال : جعلكم الخلق كالعلم فيما ذكرتم قياس مع وجود
__________________
(١) منشأ هذا القول ؛ أن الأشاعرة نظروا إلى صور تسلسل الفعل ، والمحددة بخمسة : ١ ـ مرحلة تصور الفعل ، ٢ ـ مرحلة تصور دواعيه ، ٣ ـ مرحلة التردد لموازنة الأسباب والدواعي ، ٤ ـ مرحلة الحكم والترجيح المتضمن للفعل ، ٥ ـ مرحلة تحقق الفعل. فالاختيار في المراحل الثلاث معدوم ، وكذا في المرحلة الخامسة ، بينما يوجد الاختيار في المرحلة الرابعة.
(٢) يناقش الماتريدية الأشاعرة في نظرية الكسب ، بإبراز اختلاف خالقية الإنسان عن خالقية الله الذي يخلق من العدم ، وإثبات حرية الإنسان من استحقاقه الثواب والعقاب لاستعماله قدرته وتوجيهها إلى فعل من الأفعال ، ولقد تكلمنا عن نظرية الكسب عندهم ، فراجعه في ص ٨٣.