الفارق ، وهو أن الخلق من خصائص الألوهية كما قال تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (سورة فاطر : ٣) بخلاف العلم فقد ورد في الكتاب العزيز إثبات العلم للعباد في غير موضع.
وقوله : (لكن لا يقدح) هو الجواب ، أي : ما أبديتموه من الفرق لا يقدح في المقصود ، وهو أن إقدار العبد على بعض المقدورات لا يوجب نقصا في الألوهية (كما ذكرنا) آنفا ، (إذ كان سبحانه غير ملجأ) بصيغة المفعول (إلى ذلك) أي : إلى إقدار العبد على بعض المقدورات (ولا مقهور عليه) ليلزم النقص المحذور ، (بل فعله سبحانه باختياره) أي : بإرادته تعالى (في قليل) من المقدور (لا نسبة له بمقدوراته) أي : إلى مقدوراته التي لا تتناهى ، فالباء هنا بمعنى «إلى» كما في قوله تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) (سورة يوسف : ١٠٠) أي «إليّ». وستعرف أن ذلك القليل الذي هو محل قدرة العبد هو العزم المصمم.
وقوله : (لحكمة) متعلق بقوله : «فعله» أي : فعل تعالى ذلك الإقدار لحكمة (صحة التكليف واتجاه الأمر والنهي) فإن نفي تأثير قدرة العبد يستلزم بطلان التكليف وعدم اتجاه الأمر والنهي كما مر ، (مع أنه) أي : مع أن ذلك القليل الذي أقدر عليه العبد من أفعاله إذا أوجده (لا تنقطع نسبته إليه) أي : إلى الباري (تعالى بالإيجاد ؛ لأن إيجاد المكلّف لها إنما هو بتمكين الله تعالى إياه منها وإقداره عليها ، غير أن السمع ورد بما يقتضي نسبة الكل إليه) تعالى (بالإيجاد ، وقطعها) أي : قطع نسبة الإيجاد (عن العباد) كقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) (سورة الصافات : ٩٦) ، (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) (سورة القمر : ٤٩) ، (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (سورة فاطر : ٣).
فإن قلت : الفرق الذي تقدم (١) ذكره قادح باعتبار أن الله تعالى أخبر بأنه علّم العباد بعض معلوماته ، وأخبر بأنه لا خالق غيره وبأنه خالق كل شيء أي موجده ، فلو أوجد العبد شيئا لزم الخلف في خبره تعالى ، والخلف في خبره تعالى محال.
قلنا : نمنع (٢) لزوم الخلف في خبره تعالى ؛ لأن خلق الشيء هو الاستقلال
__________________
(١) ليست في (ط).
(٢) في (م) : يمتنع.