بإيجاده ((١) في خبره تعالى (١)) ، والعبد لا يستقل بإيجاد شيء ؛ بل العزم الذي قلنا إنه محل قدرته يتوقف وجوده على خلق الاختيار للعبد والتمكين من ذلك العزم كما سيأتي ، فلا استقلال للعبد بشيء ، فلا خلف في خبر الله تعالى.
وقوله : (فلنفي) علة سابقة على ما هي علة له ، وهو الوجوب في قوله : «وجب» أي : لأجل نفي (الجبر المحض وتصحيح التكليف وجب التخصيص) أي : وجب بالدليل العقلي تخصيص عموم الكل الذي اقتضى السمع نسبته إليه تعالى بالإيجاد ، (وهو) أي : ما ذكر من نفي الجبر وتصحيح التكليف ، أي : الحكم بصحته المتوقف ذلك على النفي المذكور (لا يتوقف على نسبة جميع أفعال العباد إليهم بالإيجاد) أي : على أن ينسب إليهم أنهم موجدون لجميع أفعالهم (بل يكفي لنفيه) أي : الجبر ، نسبه الفعل الواحد ـ وهو العزم الآتي ذكره ـ إليهم.
وتقرير ذلك : (أن يقال : جميع ما يتوقف عليه أفعال الجوارح من الحركات) إنما يوجد بخلق الله تعالى ، (وكذا التروك التي هي أفعال النفس) لأن المراد من الترك كف النفس عن الفعل ، وذلك الكف فعل للنفس ، إذ لا تكليف إلا بفعل كما تقرر في محله ، والمقصود هنا أن جميع ما يتوقف عليه التروك (من الميل) إلى الشيء الذي تكف عنه النفس ، (و) من (الداعية) التي تدعو إليه ، (و) من (الاختيار) له إنما يوجد الجميع (بخلق الله تعالى) ، وجهة توقف التروك على ذلك ظاهرة ، إذ لا يتحقق كف النفس إلا عما مالت إليه ودعت له وتعلق به الاختيار ، والحاصل أن جميع ما يتوقف عليه أفعال الجوارح وأفعال النفوس (لا تأثير لقدرة العبد فيه ، وإنما محل قدرته) أي : العبد هو (عزمه عقيب خلق الله تعالى هذه الأمور في باطنه عزما مصمما بلا تردد ، وتوجهه توجها صادقا للفعل) أي : توجهه للفعل (طالبا إياه) توجها لا يلابسه شوب توقف.
وما بعد قوله : «عزما مصمّما» كالتفسير الموضح له ، وهذا العزم المصمم هو محل تأثير قدرة العبد ، وهو مسمى الكسب عند الحنفية (٢).
__________________
(١) سقط من (م).
(٢) رأى بعض العلماء أن الماتريدية التزموا بأعدل المسالك في مسألة خلق أفعال العباد بين الجبر والاختيار. انظر : موقف البشر تحت سلطان القدر ، لمصطفى صبري ، ص ١٦١.