(فإذا أوجد العبد ذلك العزم) المصمم (خلق الله) تعالى (له الفعل) عقبه ، (فيكون منسوبا إليه تعالى من حيث هو حركة) لأنه تعالى المنفرد بترتيب المسببات على أسبابها ، (و) يكون منسوبا (إلى العبد من حيث هو زنى ونحوه) من الأوصاف التي يكون بها الفعل معصية ، وعلى منوال ذلك في الطاعة كالصلاة ، تكون الأفعال التي حقيقتها منسوبة إلى الله تعالى من حيث هي حركات ، وإلى العبد من حيث إنها صلاة لأنها الصفة التي باعتبارها عزم العزم المصمم.
واعلم أن حاصل كلام المصنف رحمهالله تعويل على مذهب القاضي الباقلاني ، وهو أن قدرة الله تعالى تتعلق بأصل الفعل ، وقدرة العبد تتعلق بوصفه من كونه طاعة أو معصية ، فمتعلق تأثير القدرتين مختلف ؛ كما في لطم اليتيم تأديبا وإيذاء ، فإن ذات اللطم واقعة بقدرة الله تعالى وتأثيره ، وكونه طاعة على الأول ومعصية على الثاني بقدرة العبد وتأثيره ، لتعلق ذلك بعزمه المصمم ؛ أعني قصده الذي لا تردد معه (١).
غير أن المصنف أوضح القول فيه ، ولعله إنما لم يعز ما ذكره إلى القاضي لأن من توجيهه ما لم يقع مصرحا به في كلامه وإن كان منطبقا عليه ، (وإنما يخلق الله سبحانه هذه) الأمور (في القلب) يعني الميل والداعية والاختيار (ليظهر من المكلف ما سبق علمه تعالى بظهوره منه من مخالفة) للأمر الإلهي (أو طاعة) له ، (وليس للعلم خاصية التأثير ليكون) المكلف (مجبورا) على ما سبق العلم بظهوره منه (لما) أي : الدليل (عساه يتضح من بعد). وقد أوضحه في آخر الأصل الثالث الذي يلي هذا الأصل.
وقوله : (ولا خلق) بلفظ المصدر عطف لجملة منفية على جملة منفية ، وهي قوله : «وليس للعلم» أي : وليس خلق (هذه الأشياء) أي : الميل والداعية والاختيار للمكلف (يوجب اضطراره إلى الفعل ؛ لأنه) تعالى (أقدره فيما يختاره ويميل إليه عن داعية) تدعوه إليه (على العزم على فعله وتركه) ولا اضطرار مع الإقدار على العزم على كل من الفعل والترك ، ولما كان الإقدار على العزم على فعل مع خلق الميل إليه والداعية له ظاهرا ، بخلاف الإقدار على العزم على ترك ما خلق الميل إليه والداعية له بيّنه بقوله : (إذ من المستمر) أي : من الأمر المعروف الذي لا يتخلف (ترك الإنسان لما يحبه ويختاره ، وفعل شيء وهو يكرهه لخوف) من سطوة
__________________
(١) قارن بما في التمهيد ، ص ٢٨٦ ـ ٢٩٣.