جبار (أو حياء) ممن يجلّه ويؤثر امتثال أمره ونهيه (فعن ذلك العزم الكائن بقدرة العبد المخلوقة لله تعالى صح تكليفه) أي : نشأ عن ثبوت ذلك العزم صحة تعلق التكليف بالعبد ، (و) عنه أيضا صح (ثوابه) أي : أن يثاب بالطاعة (وعقابه) أي : أن يعاقب بالمعصية (وذمه) بفعل ما لا ينبغي شرعا (ومدحه) بفعل ما هو حسن شرعا (وانتفى بطلان التكليف ، و) انتفى (الجبر المحض (١) ، وكفى في التخصيص) أي : تخصيص تلك العمومات السابق بعضها (لتصحيح التكليف) أي : كفى لأجل تصحيح التكليف (هذا الأمر الواحد) الذي جعل متعلقا لتأثير قدرة العبد ، (وأعني) بهذا الأمر الواحد (العزم المصمم) على الفعل (وما سواه) أي : ما سوى العزم المصمم (مما لا يحصى من الأفعال الجزئية والتروك كلها مخلوقة لله تعالى ، متأثرة عن قدرته ابتداء بلا واسطة القدرة الحادثة) المخلوقة (المتأثرة عن قدرته تعالى ، والله سبحانه أعلم).
(ومع ذلك) أي : ومع ما ذكرناه من أن العزم المصمم موجود بالقدرة الحادثة (فقلما يكون حسن هذا العزم بلا توفيق من الله تعالى ، بل لا يقع) هذا العزم الموصوف بالحسن (إلا بتوفيق منه تعالى تفضلا) لا وجوبا ، (فإن الشيطان مع الشهوة الغالبة وهوى النفس) ثلاثتها (موانع) من العزم المذكور ، (تشبه القواسر) أي : تشبه الأمور الحاملة على ترك العزم قهرا (لقوة استيلائها) على الإنسان ، (فلا يغلب) بحيث يصمم العزم على خلاف ما تدعو إليه (إلا بمعونة التوفيق) من الله سبحانه للعبد.
(وليس لأحد على الله تعالى أن يوفقه) لأنه لا يجب على الله شيء كما سيأتي بيانه في الأصل الرابع ، (بل) العبد (إذا أعلمه) الله تعالى (طريقي الخير والشر وخلق المكنة) من كل منهما (له فقد أعذر إليه) أي : أزاح عذره منهيا إزاحة العذر إليه ، ف «أعذر» مضمن معنى «أنهى».
(وعدم التوفيق وهو الخذلان ، وهو) أي : الخذلان (أن يدعه مع نفسه لا ينصره ولا يعينه عليها). وقوله : (لا يسلبه) هو خبر المبتدأ الذي هو «عدم التوفيق»
__________________
(١) الجبر المحض بدل «الجبر» فقط ؛ تأكيد لنفي الجبر ، وإلا فإن الجبر والجبر المحض لهما نفس الدلالة على المستوى الكلامي في مجال التكليف ، كون تعريف الجبر : انعدام القدرة على مباشرة التكليف ، والتحرك بدون اختيار ، كما عبر المجبرة : «كالريشة المعلقة في الهواء» ولكن ينبغي ملاحظة أن البعض يمكن أن يميز بين العبارتين ؛ لاتهامه الأشاعرة بالجبر دون الجبر المحض ، فرأوا أن القائل بالكسب مآل قوله إلى الجبر لا محالة وإن لم يظهر ذلك مباشرة.