وما بينهما اعتراض ، والمعنى : أن عدم التوفيق لا يسلب العبد (الممكنة) أي : التمكن (من ذلك العزم التي خلقها له) نعت ل «المكنة» (وهذه) المكنة وسيأتي أنها عبارة عن سلامة الأسباب والآلات (غير القدرة ؛ التي ذهب أكثر أهل السنة إلى أنها لا تتقدم على الفعل) بل تكون معه ، توجد حال حدوث الفعل وتتعلق به في هذه الحالة (حتى قد يقال) بناء على ما ذهبوا إليه (إن التكليف بغير المقدور واقع ؛ لأنه) أي : التكليف وهو الطلب الإلزامي لما فيه كلفة (يكون قبل) وجود (الفعل) المطلوب (بالضرورة) لأن طلب الفعل بعد (١) وجوده طلب لتحصيل الحاصل وهو محال ، (ومقارن المتأخر) عن شيء (غير موجود مع المتقدم) عليه ، فالقدرة المدعى أنها إنما تكون مع الفعل يمتنع اقترانها بالتكليف المتقدم عليه ، فيكون التكليف بالفعل على هذا تكليفا بما لا قدرة عليه (٢).
وقوله : (فإن المراد) بيان لكون المكنة غير القدرة المذكورة (٣) ، وتقريره : أن المراد (بتلك القدرة) التي ذهب أكثر أهل السنة إلى أنها لا تتقدم على الفعل هو (القدرة التي) يقام (بها الفعل ، وهي قدرة جزئية) أي : فرد هو جزئي حقيقي (مندرجة تحت مطلق القدرة الكلية تخلق) تلك القدرة الجزئية (مع الفعل) لا قبله ، وهي القدرة المستجمعة لشرائط التأثير (٤) ، وهي عرض جزئي ، فالمتقدم على الفعل المكنة والمتأخر عنه الامتثال (٥).
(وقولنا : يقام بها الفعل تساهل) في العبارة ، إذ المقيم للشيء متقدم عليه ، (وإنما هي) أي : القدرة المذكورة (معه) أي : مع الفعل لا قبله (إذ كان الفعل) عند أهل السنة (إنما هو أثر قدرة الله سبحانه) وحذف لفظة «كان» هنا أولى من ثبوتها.
(قال القاضي أبو بكر :) بن الطيب الباقلاني مقدم أهل السنة وهو المراد حيثما أطلق «القاضي» في كتب الكلام (إن الله تعالى لا يخلق تلك القدرة إلا ويخلق الفعل تحتها ، فهي من الفعل) أي : بالنسبة إليه (بمنزلة المشروط من
__________________
(١) في (م) : مع.
(٢) وهو المعروف بالتكليف بما لا يطاق ، وقد أجازه الأشاعرة عقلا.
(٣) المكنة المقصودة هنا هي شرائط التأثير في الفعل.
(٤) شرائط التأثير : التصور المتضمن لقصد الفعل ، والعزم المصمم والترجيح المتضمن لقصد الفعل وهو القدرة الجزئية ، ثم يأتي تحقيق الفعل ، فالمكنة هي الشروط الثلاثة الأولى ، والامتثال هو التحقق.
(٥) في (م) : الأمثال.