لا يتصور تعلق الإرادة بتخصيصه بوقته إذ كانت) الإرادة (إنما تخصص) أي : شأنها ليس إلا أنها تخصص (ما سيوجد بوقته) الذي يوجد فيه دون ما قبله وما بعده من الأوقات ، (فعدم تعلقها) بوجود ممكن (تابع للعلم بعدم وجوده لا مؤثر في عدم وجوده) إذ العلم (١) ليس مفتقرا إلى مؤثر (٢).
(فظهر) بهذا التقرير (معنى) قول السلف : (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) أي : ما تعلقت المشيئة وهي الإرادة الإلهية بوجوده يوجد لتعلق العلم بوجوده ، وما لم تتعلق المشيئة بوجوده لا يوجد لتعلق العلم بعدم وجوده.
(وظهر) أيضا (أن لا طلب في مفهوم الإرادة) بناء على الفرق بينها وبين المشيئة (كما) مر (عن أبي حنيفة) لما عرفت من أن الإرادة ليس مفهومها إلا أنها صفة تخصص ما سيوجد دون غيره بوقته دون ما قبله وما بعده من الأوقات ، وليس في هذا المفهوم طلب.
(و) ظهر أيضا (أن لا محبة) في مفهوم صفة الإرادة (كما قال الأشعري وجماعة) إذ المحبة عندهم أخص من الإرادة على ما قدمناه من أنها إرادة لا يتبعها تبعة ومؤاخذة (بل لا يستلزمها) أي : لا يستلزم مفهوم الإرادة المحبة ، إذ الأعم لا يستلزم الأخص (٣) ، (نعم ؛ الغالب تعلقها) أي : الإرادة (بالمحبوب المطلوب وجوده فتقارن الإرادة المحبة في متعلقها) بأن يقع ذلك (اتفاقا) أي : على سبيل الاتفاق (لا لزوما) بحيث لا تنفك الإرادة عن المحبة ، لما مر من أن الأعمّ لا يستلزم الأخص ، (فعن هذا) أي : عن مقارنة الإرادة المحبة في متعلقها (وقع ذلك
__________________
(١) في (م) : العدم.
(٢) عدم افتقار العلم إلى مؤثر معقول ؛ لأن العلم عبارة عن حقيقة مجردة عن الغواشي الجسمانية ، فهو معرفة الشيء على ما هو به ، وهذا في علم المخلوق. وأما علم الخالق فهو الإحاطة والخبر على ما هو به ، وهو منزه عن الزمان ، ونسبته إلى جميع الأزمنة سواء ، فمهما حدثت المخلوقات لا يحدث له تعالى علم آخر بها ، بل حصلت مكشوفة له بالعلم الأزلي ، فالعلم بأن سيكون الشيء هو نفس العلم بكونه في وقت الوجود من غير تجدد ولا كثرة ، وإنما المتجدد هو نفس التعلق والمعلق به.
(٣) علاقة الأعم بالأخص على مستوى الإثبات : إثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص ولكن إثبات الأخص يستلزم إثبات الأعم ؛ وهذا مراد الشارح ، أما على مستوى النفي ؛ فنفي الأعم يستلزم نفي الأخص ، ولكن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
ويقصد بالأعم كلي تلاحظ فيه نسبته إلى نوعه أو بعض جزئياته ، مثل الحيوان بالنسبة إلى الإنسان. أما الأخص فهو كلي تلاحظ فيه نسبته إلى جنسه أو نوعه ، مثل الإنسان بالنسبة للحيوان.