المعتزلة من أن العبد إذا خلق وكلف إلى آخر ما ذكرنا ما نصه : («فقد يتوهم متوهم أنه يجب عليه تعالى الابتداء بإكمال العقل لأجل التكليف وليس هذا مذهبا لهم) يعني البصريين (١) ، ولم يستوف المصنف مقصود كلام الإمام ليظهر منشأ التوهم ، وقد نقل الإمام في «الإرشاد» أولا عن البغداديين من المعتزلة أن ابتداء الخلق واجب على الله وجوب الحكمة ، وأنه إذا خلق الذين علم أنه يكلفهم فيجب إكمال عقولهم وإقدارهم وإزاحة عللهم ، ثم نقل عن البصريين منهم أنهم أنكروا معظم ذلك ، يعني إيجاب ابتداء الخلق وإيجاب إكمال العقل كما دل عليه كلامه ، ونقل إجماع الفئتين البغدادية والبصرية منهم على أن الرب سبحانه إذا خلق عبده وأكمل عقله لا يتركه هملا ؛ بل يجب عليه أن يقدره ويمكنه من نيل المراشد ، ثم قال إمام الحرمين : «ونقل أصحاب المقالات عن هؤلاء مطلقا ـ يعني المعتزلة ـ أنه يجب على الله تعالى فعل الأصلح في الدين ، وإنما الاختلاف في فعل الأصلح في الدنيا» (٢) وهذا النقل فيه تجوز ؛ فظاهره يوهم زللا ، فقد يتوهم المتوهم أنه يجب عند البصريين الابتداء بإكمال العقل لأجل التكليف وليس ذلك مذهبا لذي مذهب منهم (فالذي ينتحله البصريون أنه تعالى متفضل بإكمال العقل ابتداء ، ولا يجب عليه إثبات أسباب التكليف». اه) كلام «الإرشاد» (٣). وبه يظهر أن منشأ التوهم إطلاق أصحاب المقالات النقل عن المعتزلة دون التفصيل الواقع في كلام الإمام أوّلا.
(ثم قال الحجة) حجة الإسلام في «الرسالة» (٤) (ردا عليهم : «المراد بالواجب أحد أمرين ؛ إما الفعل الذي في تركه ضرر إما آجل) أي : في الآخرة عرف بالشرع (كما يقال : تجب طاعة الله تعالى ، أو جاعل) أي : في الدنيا وإن عرف بالعقل (كما يقال : يجب على العطشان الشرب كي لا يموت) ومعنى
__________________
(١) الإرشاد ، ص ٢٨٨.
(٢) الأصلح في الدنيا : لم يورد الأشعري وهو ضليع في فكر المعتزلة أنهم يقولون بالأصلح في الدنيا بل جل مقالاتهم تتجه إلى القول بالأصلح في الدين ، وذهبوا أكثر من هذا عند ما جعلوا فعل العقاب بالعباد زجرا لهم عن المعصية وصلاحا واستدعاء إلى طاعة الله ، بل قالوا إن جهنم نظر للكافرين في الدنيا ورحمة لهم. فكلامهم كله منصب حول الأصلح في الدين. انظر : المقالات للأشعري ، ص ٢٤٩.
(٣) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد ، ص ٢٨٧ ـ ٢٨٨.
(٤) الرسالة القدسية ضمن إحياء علوم الدين ، ص ١٦٤.