الوجوب هنا ترجح الفعل على الترك لما يتعلق من الضرر بالترك كما فسره به الحجة في «الاقتصاد» (١) (وإما أن يراد به الذي عدمه يؤدي إلى) أمر (محال ، كما يقال : وجود المعلوم) أي : ما تعلق علم الله تعالى بوقوعه (واجب) وقوعه (إذ عدمه يؤدي إلى محال ، وهو أن يصير العلم جهلا ، فإن أراد الخصم) وهو المعتزلي بقوله : إن ابتداء الخلق مثلا واجب (المعنى الأول) وهو أن في تركه ضررا آجلا أو عاجلا (فقد عرضه) تعالى (للضرر) ولحوق الضرر محال في حقه تعالى ، والقول به كفر وفاقا ، (أو) أراد المعنى (الثاني) وهو أن عدمه يؤدي إلى محال (فهو مسلم) حيث نظر إلى أن ابتداء الخلق والتكليف قد تعلق العلم بوقوعه (إذ بعد سبق العلم) بوقوع شيء (لا بدّ من وجود) ذلك الشيء (المعلوم) وقوعه ، (أو) أراد الخصم يكون ابتداء الخلق واجبا (معنى ثالثا فهو غير مفهوم». اه) كلام الحجة.
وقد حقق المصنف أن المعتزلة يريدون المعنى الثاني ، وهو الذي عدمه يؤدي إلى محال لكن ليس هو انقلاب العلم جهلا بل البخل فقال (واعلم أنهم) يعني المعتزلة (يريدون بالواجب ما) أي : فعلا (يثبت بتركه نقص في نظر العقل) والجار والمجرور متعلق بقوله : «يثبت» ، وثبوت النقص (بسبب ترك مقتضى قيام الداعي) إلى ذلك الفعل ، وحذف متعلق النقص للعلم به مع تعظيم جناب الباري تعالى عن أن يجري اسمه على اللسان مع إضافة هذه الكلمة المستهجنة ، (وهو) أي : الداعي (هنا كمال القدرة) الإلهية (والغنى) المطلق (مع انتفاء الصارف) عن ذلك الفعل ، (فتركه المراعاة المذكورة) فيما مر بمعناها لا بلفظها ، وهي مراعاة ما هو أصلح للعبد في الدين فقط ، أو فى الدين والدنيا (مع ذلك) أي : مع قيام الداعي وانتفاء الصارف (بخل يجب تنزيهه تعالى عنه ، فيجب) ما اقتضاه قيام الداعي (أي لا يمكن أن يقع غيره لتعاليه) سبحانه (عما لا يليق ، وهذا) الذي يريدونه هو (المعنى الثاني الذي ذكره حجة الإسلام ،) فإن حاصله أن عدم الفعل يؤدي إلى محال في حقه سبحانه وتعالى (وظاهر تسليم الحجة رحمهالله) المعنى الثاني (أنهم إذا قصدوا) معنى قولنا : (المعلوم يجب وقوعه فهو) معنى (صحيح ، ومراده) أي : مراد حجة الإسلام رحمهالله (تسليم إطلاق لفظ الوجوب فقط) لهذا المعنى ، (لا) تسليم إطلاقه (مع موضوعه) أي : مع تسليم ما وضع له عندهم وهو أن الواجب ما
__________________
(١) انظر : الاقتصاد في الاعتقاد ، ص ٢٠٧ ـ ٢١٠.