يثبت بتركه نقص في نظر العقل ، وهو فيما نحن فيه البخل كما مر ، فإن هذا عين المذهب الاعتزالي ، وإنما مراده أن ابتداء الخلق واجب الوقوع لتعلق العلم بوقوعه ، وأن ابتداء التكليف كذلك ؛ لأن عدم وقوعه يؤدي إلى محال ، هو انقلاب العلم جهلا وهذا غير ملاق لمقصود أهل الاعتزال.
(وإلّا) أي : وإن لا يكن ذلك مراد حجة الإسلام بأن سلم لهم إطلاق الوجوب مع تسليم موضوعه في كلامهم على ما قدمناه (لزم) أن يسلم (أن كل أصلح) للعبد (يجب وقوعه) له ؛ (لأن كل ما علم وقوعه) للعبد (فهو الأصلح) له (عندهم ؛) زعما منهم أن هذا مبالغة في تنزيه الباري تعالى ، (إذ لا يخفى أن كل مسلم فإنما يقصد المبالغة في تنزيه الباري سبحانه بما ينسبه إليه ، فلا يمكن القول بوجوب الأصلح) على الله سبحانه (إلا مع القول بأن كل ما وقع في الدارين فهو الأصلح) للعباد ، لما مر عنهم من أنه يثبت بترك ما لم يقع منه نقص في نظر العقل وهو محال في حقه سبحانه ، (وصرح الإمام) يعني إمام الحرمين (بفهم هذا المعنى من كلام) أبي القاسم (الكعبي) وهو من رءوس معتزلة بغداد (وصرح) أي : الإمام (بأنهم) يعني معتزلة بغداد (قالوا : إن تخليد الكفار في النار والأغلال أصلح لهم) في الآخرة ، (وكذا الأصلح للفسقة عندهم في الدنيا أن يلعنهم ويحبط عملهم) وإذا انتهوا إلى ذلك سقطت مكالمتهم كما قال الإمام في «الإرشاد» (١) ؛ لأن كلّا من الأمرين عناد ومكابرة (٢) في الضروريات ، (فحقيقة الخلاف) بيننا وبينهم (في موضعين :)
أحدهما : (كون كل واقع روعي فيه الأصلح للعباد ، و) الثاني : (أنه لو لم يكن كذلك) أي : لو لم يكن كل واقع روعي فيه الأصلح للعباد ، بأن وقع ما ليس أصلح لهم (كان) وقوعه (نقصا) لما مر من أن المنع من الأصلح بخل يجب تنزيهه تعالى عنه ، وقد علمت أن قولهم في كل منهما خطأ ، لما لزم عليه من العناد ومكابرة الضرورة كما قدمناه (ولزمهم) مع ذلك (خطأ ثالث فقالوا به ؛ وهو) أي : ذلك الخطأ (عدم قدرته على إصلاحهم) يعني الكفار والفسقة (وهدايتهم) من
__________________
(١) انظر : الإرشاد ، ص ٢٩٣.
(٢) العناد أو المعاندة في اصطلاح المناطقة : المنازعة بين شخصين لا يفهم أحدهما كلام صاحبه وهو يعلم ما في كلام نفسه من الفساد ومجانبة الصواب. أما المكابرة : فهي المنازعة لا لإظهار الصواب ، ولا لإلزام الخصم ، ولكن لإظهار الفضل ، ولا شك في أن مدلول المصطلحين ينطبق على المعتزلة انطباقا تاما في هذه المسألة ، فقولهم وجوب ترك ما لا يحسنه العقل على الله والأصلح للعباد كذا وكذا عناد ومكابرة في البديهيات.