ضلالتهم ، ولزومه لهم من قولهم بوجوب الأصلح وتفسيرهم الواجب بأنه الذي لا يمكن أن يقع غيره ، (إذ) قد (كان من معلومه تخليدهم في النار) الذي هو أصلح لهم عند المعتزلة (ووقوع خلاف معلومه) تعالى (محال) لما مر من استلزامه المحال الذي هو البخل (فلا تتعلق القدرة به) أي : بالوقوع المذكور ؛ لما تقرر من أن متعلقها الممكن دون الواجب والممتنع ، فلا يكون قادرا على هدايتهم تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وتعلق القدرة تابع لتعلق الإرادة لما تقرر.
(وقد) ورد الكتاب العزيز بصحة تعلق الإرادة به (قال الله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (سورة يونس : ٩٩)) وقال تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (سورة السجدة : ١٣) ، وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (سورة الشورى : ٨) أي : مهتدين أو ضالين (إلى غير ذلك من الآيات المفيدة في الاستعمال العربي) المتعارف لأهل اللسان (كون مقابل الواقع مما يدخل تحت) مشيئته تعالى ، فيكون داخلا تحت (قدرته) سبحانه و (تعالى ، وكونه لا يفعله) أي : انتفاء فعله تعالى له الواقع ذلك الانتفاء (على موافقة العلم) بأنه لا يفعله (لا يسلبه الإمكان الذاتي) المقتضي لصحة تعلق القدرة به ، (وذاك) أي : الذي سلب الإمكان الذاتي فكان ممتنعا لذاته كاجتماع الضدين (هو الذي لا تتعلق به القدرة) لعدم صلاحيته لتعلقها ؛ لا لقصور في القدرة ، (فاستحالته) أي : استحالة وقوع خلاف معلومه تعالى (لغيره) وهو تعلق العلم بعدم وقوعه (لا لذاته) (١).
والحاصل أن ما امتنع وقوعه لتعلق العلم بعدم وقوعه ممكن لذاته ممتنع لغيره ، وامتناعه لغيره لا يسلبه الإمكان الذاتي المصحح لتعلق القدرة به ، فزعمهم أنه غير مقدور بمعنى أنه لا يصح تعلق القدرة به باطل.
(وليس لهم) أي : المعتزلة (في هذا المطلوب) وهو زعمهم الوجوب على الله تعالى (مستمسك) بفتح السين ، أي : شيء يستمسكون به (مستمسك) بكسرها ، أي : له استمساك ، أي : أدنى قوة ، (ونحن) معشر أهل السنة لا ندين
__________________
(١) الإمكان الذاتي : هو القدرة على التعلق والتأثير أصلا ، أو كون الشيء في نفسه بحيث لا يمتنع وجوده ولا عدمه امتناعا واجبا ذاتيا ، أو هو التجويز العقلي الذي لا يلزم من فرض وقوعه محال ، فلو كان العلم متعلقا بشيء ؛ فإن القدرة صالحة لتعلقها ؛ لأن القدرة صفة تتعلق على وفق الإرادة.