كالمعتزلة ، أنعم عليه خالقه تعالى (بما خوّله ؛) أي : أعطاه من قوى ظاهرة وباطنة وأمور يلتذّ بها.
(إلّا أنّ) الشيخ أبا الحسن (الأشعري) ذهب إلى أن ما أوتيه الكافر في الدنيا من قوى وملاذ استدراج له ، فهي في الحقيقة نقمة عليه (قال :) (١) مبينا ما ذهب إليه («إذا كان ذلك) الأمر الذي ناله في الدنيا (قد حجبه عن الله تعالى فليس بنعمة) بل هو نقمة (قال الله تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (سورة المؤمنون : ٥٥)) فقوله : (مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) بيان ل «ما» ، وقوله : (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) خبر «أن» ، وقوله : (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) انتقال إلى بيان أنهم كالبهائم لا شعور لهم ليتأملوا فيعلموا أن ذلك الإمداد استدراج لا مسارعة في الخير.
وقد نصر المصنف مذهب القاضي فقال : (لكن تكرر في القرآن حكاية قول الأنبياء للكفار) الذين بعثوا إليهم ((فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) (سورة الأعراف : ٧٤)) أي : نعمه (فالحق أنها في أنفسها نعم ، وطغيانهم) واقع (باختيارهم ،) فلا تخرج به عن كونها نعما في أنفسها ، (وإن كانت) تلك النعم (سببا) للتمادي على ما هم عليه ؛ لاعتقادهم إنّما هم عليه من الضلال مرضي لخالقهم وأنه لو لم يكن كذلك لما أنعم عليهم (فلم تلجئهم) تلك النعم إلى الكفر.
واعلم أن الأشعري لا ينكر كونها تسمى نعما إنما يذهب إلى أن حكمة إيصالها إليهم استدراجهم لتكون الحجة عليهم أبلغ ، لا أن ينعموا بها في الدنيا ، كما قال تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (سورة الأعراف : ١٨٢).
(واختلف مشايخنا) معشر الحنفية (في أنه) هل (يستجاب للكافر دعوة؟)
(فقيل : لا) تستجاب له دعوة في أمر الآخرة (ولا) في (أمر الدنيا) وإن نالته فيها نعم ، ونفي الاستجابة منقول في «معالم التنزيل» عن ابن عباس من رواية الضحاك في تفسير قوله تعالى : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (سورة الرعد : ١٤) ، وبها استدل لهذا القول (٢) ، وفي «شرح العقائد» : اختلف المشايخ في أنه هل يجوز أن يقال : يستجاب دعاء الكافر» فمنعه الجمهور (٣).
__________________
(١) انظر : مجرد مقالات الأشعري ، لابن فورك ، ص ٣٤.
(٢) انظر : معالم التنزيل للبغوي ، ٣ / ١٢.
(٣) شرح العقائد ، ص ٢٠٠.