فجعل محل الخلاف جواز إطلاق اللفظ ، وما جرى عليه شيخنا المصنف من أن محل الاختلاف جواز وقوع الاستجابة أقرب ، وعليه جرى «الروياني» (١) من الشافعية في كتابه «بحر المذهب» حيث نقل الخلاف في المسألة (٢).
(فما) أي : فعلى هذا القول وهو نفي استجابة دعائه ما (قد يقع عند دعائه) من الأمور التي يدعو بها (كان منجزا في علم الله تعالى له ، غير معلق فيه) أي : في علم الله تعالى (بدعائه.)
(وقيل : نعم) يستجاب له (في أمر الدنيا) لا في أمر الآخرة ؛ لأن في قوله تعالى : (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (سورة الأعراف : ١٥) بعد حكاية قول إبليس : (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (سورة ص : ٧٩) إجابة لإبليس ، وإلى هذا ذهب أبو القاسم الحكيم (٣) وأبو النصر الدّبّوسيّ (٤).
ولما كان القول الأول من هذا الخلاف قد يوهم أن الكافر لا ينال الرحمة في الدنيا ، مع أن الرحمة تعم في الدنيا البرّ والفاجر والمؤمن والكافر نفى المصنف رحمهالله هذا الوهم بقوله : (ومع هذا) أي : ومع هذا الخلاف المشتمل على القول بنفي استجابته تعالى دعاء الكافر (فرحمته) تعالى (سبقت غضبه) كما نطق به الحديث الصحيح (٥) (حتى إن مظاهر الكرم والجود والرحمة من عباده أكثر ،) من مظاهر الغضب ، و «المظاهر» جمع مظهر بالفتح ، وهو موضع الظهور ، أي : مواضع ظهور آثار الرحمة ومواضع ظهور آثار الغضب ، و «من» في قوله : «من عباده» بيانية متعلقة بقوله : «مظاهر» (أرأيت) أيها المتأمل (أهل النار
__________________
(١) الروياني : قاضي القضاة ، عبد الواحد بن إسماعيل ، الملقب فخر الإسلام ، أخذ عن والده ، وتفقه على جده وعلى كثيرين ، وبرع في المذهب الشافعي. كان يقول : لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي ، توفي سنة ٥١٢ ه شهيدا على يد الباطنية. (طبقات الشافعية ، ١ / ٢٧٧).
(٢) لم نعثر على المرجع على كثرة التقصي.
(٣) أبو القاسم الحكيم : إسحاق بن محمد ، المعروف بالحكيم السمرقندي ، أخذ عن الماتريدي الفقه والكلام ، (الجواهر المضية ، ١ / ٣٠٤).
(٤) أبو النصر الدبوسي : هو أحمد بن محمد بن سعيد ، أبو نصر ، النسفي ، الدبوسي ، كان من الفقهاء على مذهب أبي حنيفة ، توفي سنة ٣٧٤ ه. (الجواهر المضية ، ٢ / ٢٦٩).
(٥) كما في حديث أبي هريرة عنه مرفوعا : «لما قضى الله الخلق كتب كتابا ، فهو فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي» وفي رواية : «غلبت غضبي». رواه البخاري في التوحيد / باب و (يحذركم الله نفسه) برقم : (٦٩٦٩) ، مسلم برقم : (٢٧٥١) ، الترمذي برقم : (٣٥٣٧).