أكثر حصى (١)) أي : عددا (من أهل الجنة ، من الحور والولدان ومؤمني الجن والإنس ، ومن الملائكة ، وهم منذ آلاف لا تحصى من السنين يرد منهم كل يوم سبعون ألفا إلى البيت المعمور ثم لا يعودون إليه أبدا) كما ورد في حديث الإسراء في صحيح مسلم وغيره (٢).
واعلم أن من عادة العرب أن يعدوا ما استكثروه بالحصى بأن يجعلوا لكل فرد من أفراده حصاة ثم يعدوا الحصى ، فإذا قصدوا عد جمعين كثيرة أفرادهما ، وجعلوا لكل فرد حصاة كان الأكثر عددا أكثر حصى.
(قال الحجة) حجة الإسلام (في دفع قولهم :) أي : المعتزلة بوجوب الأصلح (إذا لم يتضرر) تعالى (بترك مصلحة العباد لم يكن للوجوب معنى في حقه) تعالى ، (ثم مصلحة العباد) إنما هي في (أن يخلقهم في الجنة لا في دار البلاء) أي : الدنيا (معرضين لخطر العقاب) بارتكاب الخطايا ، وهذا تلخيص لكلام حجة الإسلام وعبارته : «ثم مصلحة العباد في أن يخلقهم في الجنة ، فأما أن يخلقهم في دار البلايا ويعرضهم للخطايا ثم يهدفهم لخطر العقاب وهول العرض والحساب فما في ذلك غبطة لأولي الألباب» (٣) (وأنت قد علمت) كما قدمناه (أن معنى هذا الوجوب عندهم كونه) أي : كون ذلك الأمر الواجب (لا بد من وقوعه ، وفرض عدمه فرض محال لاستلزامه المحال ، وهو اتصافه) تعالى (بما) أي : بالبخل الذي (لا يجوز عليه على زعمهم ،) متعلق بقوله : «لاستلزامه» (فلا يكون) تعالى (بهذا) أي : بسبب هذا (الوجوب معرّضا) بفتح الراء (للضّرر) (٤) كما ألزمهم به الحجة ؛ (لأن التعريض له) أي : للضرر (إنما يلزم لو كان الإيجاب مبنيا على التخيير في فعل ذلك الأمر الواجب وتركه) كما ينبئ عنه
__________________
(١) الحصى : صغار الحجارة ، واحدها حصاة ج حصيات وحصيّ. انظر : لسان العرب ، ٣ / ٢١٠.
(٢) حديث الإسراء ورد بروايات ، منها ما ورد فيه : «فرفع لي البيت المعمور ، فسألت جبريل؟ فقال : هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا لم يعودوا آخر ما عليهم». رواه البخاري في بدء الخلق / باب الملائكة رقم (٣٠٣٥) وفي الأنبياء : باب : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩)) / رقم : (٣٢١٤) ، مسلم برقم : (١٦٤) ، والترمذي (٣٣٤٣) ، والنسائي ١ / ٢١٧ ، ٢١٨ ، رقم : (٣١٣).
(٣) إحياء علوم الدين ، ١ / ١٦٥.
(٤) سقطت في (ط).