التعبير بالترك في قول حجة الإسلام : «إما أن يراد بالواجب الفعل الذي في تركه ضرر» (١) (وليس هذا) الذي قالته المعتزلة هنا من وجوب رعاية الأصلح (كذلك) أي : مبنيا على التخيير ؛ (لأن حاصل كلامهم فيه سلب قدرته) تعالى (عن ترك ما هو الأصلح) فليس قادرا عليه عندهم ؛ (لانتفاء قدرته عن الاتصاف بما لا يليق به ، فلذا) أي : فلزعمهم انتفاء قدرته سبحانه عن ترك ما هو الأصلح (حكموا بأن كل ما علم كونه) أي : وقوعه ووجوده (من خلود أهل النار فيها ولعن الفساق وحبط أعمالهم على قولهم هو الأصلح ، فقولهم : يجب الأصلح ، كقولنا : يجب أن لا يتصف) تعالى (بنقص ، و) كقولنا : يجب (وقوع وعده) تعالى ، (فالسبيل إلى دفعهم إنما هو منع كون كل واقع هو الأصلح لمن وقع له ، ومنع لزوم ما لا يليق به) تعالى ، أي : البخل الذي زعموا لزومه (بتقدير أن لا يعطي الملك العظيم كلّ فرد من العبيد أقصى ما في وسعه) أي : طاقة ذلك الملك العظيم ، أو أن لا يعطي كل فرد من العبيد (مصلحته) وقوله : (جبرا) حال مما تضمنه «يعطي» ، أي : حال كون ذلك الإعطاء جبرا ، أي مجبرا عليه دون اختيار (بعد أن عرفه) أي : عرف كل فرد من العبيد يعني المكلفين (طريقها) أي المصلحة (وأقدره) أي : جعل له قدرة عليها وعلى خلافها ، (ولم يجبره على خلافها ، وليس ذلك) القول بأن كل واقع هو الأصلح ، وبلزوم ما لا يليق بتقدير عدم إعطاء الملك العظيم كل فرد أقصى ما في الوسع (إلا صادرا (٢) عن نقص في الغريزة) أي : الطبيعة بمعنى أنه صادر عن عقل ناقص ، فعبر عن نقص العقل الذي يختل معه الفهم بنقص الغريزة (وكذا كون الخلود في النيران أصلح لمن فعل به ذلك) الخلود فيها (من مشاهدة جمال رب العالمين في أعالي الجنان أو) كونه أصلح من (مجرد) نعيم (الجنان) صادر عن نقص في الغريزة ، أي : خلل في العقل (وهذا) القول أيضا ، أعني : كون الخلود في النيران أصلح (إنكار للضروريات) من انتهى إليه كان معاندا فيسقط الكلام معه (٣).
(ومن مشهور دفعهم) أي : دفع المعتزلة بإبطال ما زعموه (مناظرة) أبي
__________________
(١) المرجع السابق ، ١ / ١٦٤.
(٢) سقطت في (م).
(٣) سبق تعريف المعاندة ، ولا شك أن هذا الكلام من المعتزلة ينسجم مع مبدئهم الأصلح في الدين والدنيا.