ظرف للجزم أي : يجزم العقل بذلك وقت إدراكه (حسنه على وجه يستلزم تركه قبحا ؛ كشكر المنعم ، وهذا) القول من المعتزلة (بناء) منهم (على أن للفعل في نفسه حسنا وقبحا ذاتيين) أي : يقتضيهما ذات الفعل كما ذهب إليه قدماؤهم (أو) أن للفعل حسنا وقبحا ثبتا له (لصفة) أي : لأجل صفة (فيه) حقيقية توجبهما له كما ذهب إليه الجبائية (١).
وقوله : (قد يستقل) صفة ثانية أي : حسنا وقبحا يوصفان بأنهما ذاتيان أو أنهما لصفة وبأنه قد يستقل (بدركهما) بسكون الراء ، أي : بإدراكهما (العقل ، فيعلم) أي : العقل ، والإسناد مجازي ، والمراد أن العاقل لإدراك عقله الحسن والقبح المذكورين يعلم (حكم الله تعالى باعتبارهما فيه) متعلق : «بحكم» ، والضمير للفعل ، أي : يعلم حكم الله تعالى الكائن في الفعل أي المتعلق به (وقد لا) يستقل العقل بإدراك الحسن والقبح في الفعل (فلا يحكم) فيه (بشيء حتى يرد الشرع) كاشفا عن ذلك الحسن والقبح (كحسن صوم آخر يوم من رمضان وقبح صوم أول يوم من شوال) إذ لا استقلال للعقل بإدراك شيء منهما.
(وقالت الأشاعرة قاطبة : ليس للفعل نفسه حسن ولا قبح) ذاتيان ولا لصفة توجبهما (وإنما حسنه ورود الشرع بإطلاقه) أي : الإذن لنا فيه (وقبحه وروده بحظره) أي : بالمنع لنا منه ، (وإذا ورد) الشرع (بذلك) أي : بإطلاقه لنا أو بحظره (فحسنّاه أو قبّحناه) أي : حكمنا بأنه حسن أو قبيح (بهذا المعنى) وهو كونه مأذونا لنا فيه ومحرما علينا (فحاله بعد ورود الشرع بالنسبة إلى الوصفين) الحسن والقبح (كحاله قبل وروده) في أنه ليس حسنه وقبحه لذاته ولا لصفة توجبهما له ، ولو لا ورود الشرع لم يعرفا. (فلا يجب قبل البعثة شيء) عند الأشاعرة (لا إيمان ولا غيره ولا يحرم) قبل البعثة (كفر) ((٢) ولا شيء من المحرمات (٢)) وإنما وجب الإيمان وسائر الواجبات وحرم الكفر وسائر المحرمات بالشرع.
(وقالت الحنفية قاطبة بثبوت الحسن والقبح للفعل على الوجه الذي قالته المعتزلة) وهو أن العقل قد يستقل بإدراك الحسن والقبح الذاتيين أو لصفة فيدرك القبح المناسب لترتب حكم الله تعالى بالمنع من الفعل على وجه ينهض معه الإتيان به سببا للعقاب ، ويدرك الحسن المناسب لترتب حكمه تعالى فيه
__________________
(١) نسبة إلى أبي علي الجبائي وقد تقدمت ترجمته في ص ١٥٣.
(٢) ليست في (ط).