بالإيجاب ، والثواب بفعله والعقاب بتركه ، إلا أن المعتزلة أطلقوا القول بعدم توقف حكم العقل بذلك على ورود الشرع.
قالوا : نعم ؛ ما قصر العقل عن إدراك جهة الحسن والقبح فيه كحسن صوم آخر يوم من رمضان وقبح صوم أول يوم من شوال يأتي الشرع كاشفا عن حسن وقبح فيه ذاتيين أو لصفة.
وخالفهم الحنفية في هذا الإطلاق ، ثم اختلفوا أعني الحنفية : هل المتوقف على ورود الشرع جميع الأحكام ؛ فلا يقضي العقل في شيء منها بمقتضى ما أدركه إلا بعد ورود الشرع ، فيكون الحاكم هو الله تعالى لا العقل ، أو المتوقف على ورود الشرع أكثر الأحكام دون أحكام خاصة منها؟ وسيأتي في المتن تفصيل ذلك (١).
(ثم اتفقوا) أي : الحنفية (على نفي ما بنته المعتزلة على إثبات الحسن والقبح للفعل من القول بوجوب) أمور على الله تعالى كوجوب (الأصلح) للعباد (على ما قدمناه) عن المعتزلة في الأصل الرابع (ووجوب الرزق ، و) وجوب (الثواب على الطاعة ، و) وجوب (العوض في إيلام الأطفال والبهائم ، ووجوب العقاب بالمعاصي إن مات) مرتكبها (بلا توبة) وقوله : (بناء) مفعول لأجله هو علة لقوله : «نفي» أي : اتفق الحنفية على نفي ما فرّعته المعتزلة على أصل الحسن والقبح العقليين من الأمور المذكورة ، وذلك النفي للبناء من الحنيفة (على منع كون مقابلاتها) أي : مقابلات الأمور التي أوجبتها المعتزلة (خلاف الحكمة) وتلك المقابلات كفعل غير الأصلح ومنع الرزق وما على منوالهما ؛ (بل) قالت الحنفية (ما ورد به السمع) أي : المسموع من الكتاب والسنة (من وعد الرزق و) وعد (الثواب على الطاعة و) على (ألم المؤمن و) على ألم (طفله حتى الشوكة يشاكها) المؤمن (محض فضل وتطوّل منه) تعالى دون وجوب عليه عزوجل (لا بد من وجوده) أي : وجود ذلك الموعود من الرزق وسائر ما ذكر معه (لوعده) الصادق (لا نحصي ثناء عليه ، سبحانه هو كما أثنى على نفسه).
واعلم أن الشيخ عز الدين (٢) أنكر في «قواعده» (٣) كون المصيبة من ألم
__________________
(١) في ص ١٨٢.
(٢) عز الدين ، عبد العزيز بن عبد السلام ، السلمي المغربي أصلا ، المصري دارا ووفاة ، سماه ابن دقيق العيد : سلطان العلماء ، توفي سنة ٦٦٠ ه ، من مؤلفاته : قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، انظر : طبقات الشافعية ، ١ / ٨٤.
(٣) انظر : قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، ص ١٩٦.