وغيره يؤجر عليها ، وخطّأ من قال ذلك ؛ لأن المصيبة ليست من كسبه والمرء إنما يؤجر على عمله وكسبه قال تعالى : (الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (سورة الطور : ١٦) ، واعترضه الإسنوي (١) بأنه خلاف نص الشافعي المستند إلى حديث عائشة وهو في الصحيحين : «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه» (٢).
ونص الشافعي هو ما في «الأم» في باب : طلاق السكران ولفظه : «إن قال قائل : هذا أي : السكران مغلوب على عقله ، والمريض والمجنون مغلوب على عقله؟ قيل : المريض مأجور مكفّر عنه بالمرض والمجنون مرفوع عنه القلم ، فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟!» اه (٣). فقد جعل المريض مأجورا مكفرا عنه بالمرض.
ويمكن حمل كلام الشافعي رضي الله عنه على أن المريض مأجور بالصبر على المرض أو الرضا به مكفر عنه بنفس المرض ، لأن الشيخ عز الدين لا ينكر كون المرض نفسه مكفرا للحديث السابق إنما يرى أن المرض مكفر من حيث إنه عقوبة عاجلة تمحص الذنوب كما أن عقوبة الآخرة تمحص ذنوب المؤمنين (٤).
(وما لم يرد به سمع) أي : دليل سمعي (كتعويض البهائم) عن آلامها (لم يحكم بوقوعه وإن جوزناه) عقلا (على ما سنذكره).
ولما بين المصنف رحمهالله ما خالفت الحنفية فيه المعتزلة من الفروع التي بنوها على أصل الحسن والقبح الذي وافقوا فيه المعتزلة ، أخذ يبين وفاقهم للمعتزلة في نفي تكليف ما لا يطاق فقال : (ولا أعلم أحدا منهم) أي : الحنفية (جوّز) عقلا (تكليف ما لا يطاق) فهم في هذا مخالفون
__________________
(١) جمال الدين في كتابه : التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ، ص ١١٤ ، والإسنوي هو : عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم الأرموي الأسنوي ، نزيل القاهرة ، الملقب بالشيخ جمال الدين ، له مؤلفات عديدة ، أهمها : طبقات الشافعية ، ونهاية السئول ، توفي سنة ٧٧٢ ه. (شذرات الذهب ، ٦ / ٢٢٤).
(٢) الحديث أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب ما جاء في كفارة المرض ، رقم ٥٣١٨. وأخرجه مسلم في البر والصلة والأدب ، رقم ٢٥٧٣.
(٣) الأم ، ٥ / ٢٧٠.
(٤) انظر : قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، ص ١٩٦.