الأشعرية (١) في تجويزهم إياه عقلا.
والمراد أنهم يمنعون التكليف بالممتنع لذاته أما الممتنع لتعلق علم الله تعالى بعدم وقوعه ، كإيمان من علم الله تعالى أنه لا يؤمن ، فإن التكليف به جائز عقلا واقع وفاقا (و) الحنفية مع قولهم بالحسن والقبح العقليين (اختلفوا : هل يعلم باعتبار العلم بثبوتهما في فعل حكم) هو مرفوع بقوله : «يعلم» نائب عن الفاعل ، أي : إذا علم ثبوت حسن أو قبح في فعل من أفعال العباد هل يترتب على العلم بثبوت أحدهما أن يعلم حكم (الله) تعالى (في ذلك الفعل تكليفي) بالرفع نعت لقوله : «حكم» (فقال الأستاذ أبو منصور) الماتريدي (وعامة مشايخ سمرقند :) أي : أكثرهم (نعم) يعلم على هذا الوجه (وجوب الايمان بالله ، و) وجوب (تعظيمه وحرمة نسبة ما هو شنيع إليه) تعالى ؛ كالكذب والسفه ، (و) وجوب (تصديق النبي عليهالسلام ، وهو) أي : ما ذكر من الإيمان والتعظيم وما ذكر معهما (معنى شكر المنعم) (٢).
فإن قيل شكر المنعم أعم من الأمور المذكورة فإنه صرف العبد جميع ما أنعم الله تعالى عليه به من سمع وبصر ونظر وغيرها إلى ما خلقه له كصرف البصر إلى المشاهدات ، والنظر إلى ما يفيد دلالتها على وجوده تعالى وقدرته وإرادته وعلمه ، والسمع إلى تلقي أوامره ونواهيه ووعده ووعيده.
قلنا : كل ذلك مندرج تحت وجوب تعظيمه تعالى (وروى) الحاكم الشهيد (٣) (في «المنتقى» (٤) عن أبي حنيفة رحمهالله) أنه قال : (لا عذر لأحد في الجهل
__________________
(١) جذور الخلاف ترجع إلى مبحث الحسن والقبح ، هل في الأشياء حسنا وقبحا ذاتيين أم لا؟ فالأشاعرة رأوا أن الأشياء منفكة عن هذه الصبغة ، والمعتزلة ويقترب منهم الماتريدية رأوا أن في الأشياء صبغة ، ولذلك قال الأشاعرة بإمكانية الجواز العقلي للتكليف بما لا يطاق مع عدم وقوعه شرعا. أما الماتريدية فيجعلون ما لا يكلف به نوعين : الأول ما هو ممتنع في نفسه ، وهو القبيح في ذاته ، والثاني ما هو ممكن لكن ليس بمقدور الإنسان ، ويرون بأنه إذا كان في علم الله أن أمرا ما لن يحصل ، لا يمنع إمكانية التكليف به إذا كان مما هو في مقدور الإنسان.
(٢) قارن بما في التوحيد ، للماتريدي ، ص ٩٦ ـ ١٠١.
(٣) الحاكم الشهيد : محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن الحاكم ، الشهير بالحاكم الشهيد ، المروزي البلخي ، كان قاضيا ببخارى ، استشهد على يد الأتراك سنة ٣٤٤ ه ، من مصنفاته : المختصر والكافي وغيرهما ، (الفوائد البهية ، ص ١٨٥)
(٤) كتاب المنتقى في فروع الحنفية ، للحاكم ، كتاب مفقود فيه فوائد جمة في المذهب الحنفي ، انظر : كشف الظنون ، ٢ / ١٨٥١.