بخالقه ، لما يرى من خلق السموات والأرض) وخلق نفسه وسائر مخلوقاته ، (وعنه) أي : عن أبي حنيفة رحمهالله أنه قال : (لو لم يبعث الله رسولا لوجب على الخلق معرفته بعقولهم).
(ونقل هؤلاء) يعني الأستاذ أبا منصور وعامة مشايخ سمرقند (مذهب المعتزلة على خلاف المهيع الأول) و «المهيع» : الطريق ، وقيل : الطريق الواضح ، وليس للتقييد هنا بالوضوح كبير معنى (قالوا :) يعني الأستاذ وعامة مشايخ سمرقند (العقل عندهم) أي : المعتزلة (إذا أدرك الحسن والقبح يوجب بنفسه على الله وعلى العباد مقتضاهما).
(وعندنا :) معشر من ذكر من الحنفية (الموجب) لمقتضى الحسن والقبح اللذين يدركهما العقل من الفعل (هو الله تعالى) يوجبه على عباده ولا يجب عليه سبحانه شيء باتفاق أهل السنة الحنفية وغيرهم.
(والعقل) عندنا معشر من أذكر من الحنفية (آلة يعرف به ذلك الحكم بواسطة اطلاعه) بسكون الطاء وإضافة المصدر إلى المفعول ، أي : اطلاع العقل بأن يطلعه الله (على الحسن والقبح الكائنين في الفعل) ، والحاصل أن العقل عند هؤلاء الحنفية آلة للبيان ، وسبب عادي لا مولّد كما عند المعتزلة (١).
والفرق بين طريق هذا الفريق من الحنفية وبين الأشاعرة : أن الأشاعرة قائلون بأنه لا يعرف حكم من أحكام الله تعالى إلا بعد بعثة نبي ، وهؤلاء الماتريدية يقولون : قد يعرف بعض الأحكام قبل البعثة بخلق الله تعالى العلم به ؛ إما بلا كسب ، كوجوب تصديق النبي وحرمة الكذب الضار ، وإما مع كسب بالنظر وترتيب المقدمات ، وقد لا يعرف إلا بالكتاب والنبي ، كأكثر الأحكام.
(وأشار بعضهم) أي : بعض مشايخ سمرقند (إلى أن مأخذ هذا النقل عنهم) أي : عن المعتزلة هو (قولهم بوجوب) رعاية (الأصلح) للعباد (عليه ، تعالى عن ذلك) سبحانه (فإنه) أي : الشأن (إذا أدرك العقل) الحسن في الفعل أوجب وجوده منه تعالى ، وإذا أدرك (القبح أوجب عدم وجوده منه تعالى) أي : أن يستمر عدم الفعل الموصوف بذلك القبح.
__________________
(١) التوليد عند المعتزلة : أن يوجب فعل لفاعله فعلا آخر ، نحو حركة اليد والمفتاح ، واحتجوا بورود الأمر والنهي والمدح والذم ، ونسبة الفعل إلى العبد دون الله.