الإيصال الذي هو مقتضاه واجبا عليه تعالى ؛ لأن تركه يستلزم نقصا هو البخل على ما سبق تقريره في الأصل الرابع.
(وإن كان) الفعل الذي أدرك العقل حسنه (لا يليق نسبته إلا إلى العباد) كالعبادة البدنية (أدرك) العقل (انفراده تعالى بإيجابه عليهم ، فظهر أن ليس للعقل) عند المعتزلة (سوى إدراك الحكم) أي : ((١) حكم الفعل (٢)) الذي يستقل العقل بإدراك الحسن والقبح فيه ، فيدرك في بعض الأفعال أن الله تعالى أمر عباده به ، وفي بعضها أنه نهاهم عنه مطلقا ، بخلاف من ذكر من الحنفية ، فإن العقل لا يستقل بإدراك أمر الله تعالى ونهيه مطلقا ، بل في أحكام خاصة كما سبق ، وما عداها فالحكم فيه متوقف على ورود الشرع كما قدمناه (٣).
(وقال أئمة بخارى منهم :) أي : من الحنفية (لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل البعثة كقول الأشاعرة ، وحملوا المروي عن أبي حنيفة على ما بعد البعثة ، وهو) أي : ما حملوا عليه المروي أمر (ممكن في العبارة الأولى دون) العبارة (الثانية ،) ونقل الحمل في الأولى ابن عين الدولة (٤) فإنه قال : أئمة بخارى الذين شاهدناهم كانوا على القول الأول ، يعني قول الأشاعرة ، وحكموا بأن المراد من رواية : لا عذر لأحد في الجهل بخالقه لما يرى من خلق السماوات والأرض وخلق نفسه بعد البعثة ، وهذا الحمل لا يخفى عدم تأتيه في العبارة الثانية ، لكن شيخنا في تحريره (٥) بعد ذكر محملهم قال : وحينئذ فيجب حمل الوجوب في قوله : لوجب عليهم معرفته بعقولهم ، على معنى ينبغي ، فحمل الوجوب فيها على العرفي ، فإن الواجب عرفا بمعنى الذي ينبغي أن يفعل ، وهو الأليق والأولى (٦).
__________________
(١ ـ ٢) ليست في (ط).
(٣) من هذه الأحكام الخاصة التي يدركها العقل ذاتيا ؛ أي أنها صفات كمال ، كالعلم والجهل ، والعدل والظلم الداخلان تحت ملاءمة الغرض ، ... الخ.
(٤) ابن عين الدولة : شرف الدين أبو المكارم ، محمد بن الرشيد عبد الله بن الحسن السكندري ثم المصري المعروف بابن عين الدولة ، ولد بالإسكندرية وقدم القاهرة ، قال المنذري : كان عالما بالأحكام الشرعية على غوامضها ، توفي سنة ٦٣٩ ه. (طبقات الشافعية ، ١ / ٢٦٤)
(٥) انظر : التحرير في أصول الفقه ، ص ٢٢٥.
(٦) وهو الذي ذكره الأشاعرة بمعنى ملاءمة الغرض ، فإنهم قسموا الحسن والقبح إلى ثلاثة أقسام ، وهذا الوجوب الذي ذكره الشارح هو المقصود عندهم ؛ دون أن تترتب ثمرات شرعية على ذلك ، أي لا يجب إيمان قبل البعثة وإن أدرك العقل ملاءمة الأشياء للأغراض.