المرجح منها : أنه لا يصح لأنه غير مكلف فأشبه غير المميز ، ولأن نطقه بالشهادتين إما إنشاء وإما خبر هو إقرار أو شهادة ، وخبره غير مقبول إقرارا كان أو شهادة ، وعقوده التي ينشئها باطلة ، ولأن إسلامه التزام ؛ إذ معناه انقدت لله وألزمت نفسي أحكامه فهو كالضمان ، والتزام الصبي لا يصح ؛ ولكن على هذا الوجه إذا أتى بالشهادتين يحال بينه وبين أبويه وأقاربه الكفار لئلا يفتنوه كما هو مقرر في كتب الفقه.
والوجه الثاني : أن إسلامه صحيح وبه قالت الأئمة الثلاثة ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا عليا إلى الإسلام فأجابه ، ولا يلزم من كون الصبي غير مكلف أن لا يصح إسلامه ، فإن عباداته من صلاة وصوم ونحوهما صحيحة ، وقال إمام الحرمين : «قد صححوا إحرامه ، والفرق بينه وبين الإسلام عسر» ، وقد أجيب عن هذا القياس بالفرق بأن صلاة الصبي وصومه ونحوهما يقع نفلا ، والإسلام لا يتنفل به ، وعن إسلام علي رضي الله عنه بما نقله البيهقي في كتابه «معرفة السنن والآثار» من أن الأحكام إنما علقت بالبلوغ بعد الهجرة عام الخندق ، وأما قبل ذلك فكانت منوطة بالتمييز (١).
واعلم أنه قد صرح مصنفو فقهاء الشافعية بأن نفيهم صحة إسلام الصبي استقلالا هو بالنسبة إلى أحكام الدنيا ؛ من عدم التوارث بينه وبين المسلم ، وبقاء التوارث بينه وبين الكافر ونحو ذلك ، أما بالنسبة إلى الآخرة فقال الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني من أئمتهم : «إذا أضمر الصبي الإسلام كما أظهره كان من الفائزين» (٢) ، وإن لم يتعلق بإسلامه أحكام الدنيا كما نقله الشيخان ، ونقلا أن إمام الحرمين استشكله بأن من يحكم له بالفوز بإسلامه كيف لا يحكم بإسلامه ، قال الرافعي (٣) : «وقد يجاب عنه بأنا قد نحكم بالفوز في الآخرة وإن لم نحكم بالإسلام في الدنيا ، كما في البالغ العاقل الذي لم تبلغه الدعوة ، واعتراضه ابن الرفعة (٤) بالفرق بأن من تبلغه الدعوة لم نحكم بفوزه لإسلامه ، بل بعدم تعلق
__________________
(١) لم يذكر الوجه الثالث. وانظر : ما نقله البيهقي في «معرفة السنن والآثار» ، ٨ / ٢٦١ ـ ٢٦٢.
(٢) انظر النص في الروضة للنووي ، ٤ / ٤٩٦.
(٣) الرافعي : أبو القاسم ، إمام الدين عبد الكريم بن محمد ، صاحب شرح الوجيز. تفقه على والده ، وكان إماما في الفقه والتفسير والحديث والأصول ، توفي سنة ٦٢٣ ه. (طبقات الشافعية : ١ / ٢٨١).
(٤) ابن الرفعة : أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع الأنصاري ، الملقب نجم الدين ، أبو العباس ، المعروف بابن رفعة. كان شافعي زمانه. قال الأسنوي عنه : ولا يعلم في الشافعية مطلقا بعد