الخطاب به» (١) والتحقيق أن ما ذكره الرافعي وابن الرفعة لا يلاقي مقصود الأستاذ لأمرين :
الأول : أنه قد نقل الإمام عن والده (٢) كلام الأستاذ على وجه محصّله : أنه متوقف في دخول أطفال الكفار الجنة قبل أن يعقلوا معنى الإسلام ويعقدوه ، وأن من علم معنى الإسلام وعقده منهم فهو من الفائزين بالجنة بلا توقف ، وإن كان لا يتعلق به أحكام الدنيا لأن أحكام الدنيا منوطة بالتلفظ بالشهادتين على الوجه المعتبر.
ولم يفرض الأستاذ الكلام فيمن تلفظ بالشهادتين ، وقد تنبه ابن أبي الدم (٣) لذلك فقال في «شرحه للوسيط» : إن الأستاذ لم يحكم له بالفوز لإسلامه بل لإيمانه ، ولا يلزم من الحكم بالفوز للإيمان المتعلق بحكم الباطن الحكم بالإسلام المتعلق باللفظ» اه.
الثاني : أن الفوز في حق من لم تبلغه الدعوة وهو انتفاء العقاب لقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (سورة الإسراء : ١٥) ولا يلزم من انتفاء العقاب حصول الثواب. وبالله التوفيق.
(والنظر في أصل المسألة أعني أن للفعل صفة الحسن والقبح في نفسه طويل لا يليق) لطول الكلام فيه (بهذا المختصر). وبالله التوفيق.
(ومن فروع هذا الأصل ما ذكره الحجة) أي حجة الإسلام (وهو مضمون الأصل الخامس) من الركن الثالث من تراجم عقائده (حيث قال : «يجوز الله) أي : يجوز عقلا (أن يكلف) الله تعالى (عباده ما لا يطيقونه ، خلافا للمعتزلة ،) في منعهم جوازه عقلا (و) إنما جوزناه لأنه (لو لم يجز) تكليف العباد ما لا يطيقونه (لاستحال) منهم (سؤال دفعه ، وقد سألوا ذلك فقالوا : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ
__________________
الرافعي من يساويه. ولد بمصر ومات بها سنة ٧١٠ ه. من مؤلفاته : «شرح الوسيط» وغيره. (طبقات الشافعية : ١ / ٢٩٦).
(١) انظر : ملتقى الينبوع على الروضة ، ٤ / ٤٩٦.
(٢) الإمام هنا الجويني ، ووالده عبد الله بن يوسف الجويني ، توفي سنة ٤٣٨ ه. كان إماما في الفقه والأصول ، من مؤلفاته : التبصرة والتذكرة في الفقه. (سير أعلام النبلاء : ١٨ / ٢٦٤).
(٣) ابن أبي الدم : شهاب الدين ، أبو إسحاق ، إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم الهمداني ـ بإسكان الميم ـ الحموي ، المعروف بابن أبي الدم. كان إماما في المذهب الشافعي ، شرح «مشكل الوسيط» وصنف «أدب القضاء». توفي سنة ٦٤٧ ه بحماه. (طبقات الشافعية : ١ / ٢٦٦).