لَنا بِهِ) (سورة البقرة ٢٨٦) ، ولأنه تعالى أخبر نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم بأن أبا جهل لا يصدقه ، ثم أمره بأن يصدقه في جميع أقواله ، وكان من جملة أقواله ، أنه لا يصدقه ، فكيف يصدقه في أنه لا يصدقه؟ هذا محال». اه) كلام حجة الإسلام. و «ثم» في قوله : «ثم أمره» للترتيب الذكري ، لأن كون أمر أبي جهل بالتصديق بعد الإخبار بعدم إيمانه لا يظهر له مستند ، فضلا عن كونه متراخيا عن الإخبار.
وفي كلام الآمدي وغيره : أبو لهب بدل أبي جهل ، فقد تضمن كلام حجة الإسلام دليلين على جواز تكليف ما لا يطاق.
(ولا يخفى أن الدليل الأول) منهما (ليس) دالا (في محل النزاع ، وهو) أي : محل النزاع (التكليف) بمعنى طلب تحقيق الفعل والإتيان به ، وأنه إذا لم يفعله يعاقب على تركه لا تحميل ما لا يطاق من العوارض ، فإنه ليس محل نزاع (إذ عند القائلين بامتناعه) أي : امتناع تكليف ما لا يطاق (يجوز أن يحمله) أي : يحمل الله المكلف (جبلا فيموت) إظهارا لعجزه وعدم إقداره على حمله ، والمسئول دفعه في الآية هو تحميل ما لا يطاق بهذا المعنى ؛ لا التكليف الذي هو محل النزاع.
(أما عند المعتزلة) أي : أما جواز تحميل ما لا يطاق لإظهار العجز ، وإن أدى إلى الهلاك (فبناء) من المعتزلة (على) ما ذهبوا إليه من (جواز أنواع الإيلام) للعبد (بقصد العوض وجوبا) أي : على جهة وجوب العوض على الله عندهم ، تعالى عن أن يجب عليه شيء.
(وأما عند الحنفية المانعين منه) صفة كاشفة لا مخصصة ، إذ الحنفية كلهم مانعون من جواز تكليف ما لا يطاق (أيضا) كالمعتزلة (فتفضلا) أي : فبقصد العوض على وجه التفضل منه سبحانه وتعالى عندهم ، (بحكم وعده) الصادق بالجزاء (على المصائب) في الأحاديث الصحيحة ؛ كحديث الصحيحين الذي قدمناه : «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه» (١) ، وحديث البخاري : «من يرد الله به خيرا يصب منه» (٢) ، وقد قدمنا لك ما يظهر به أن هذا الاستدلال مبني
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه البخاري في المرض / باب ما جاء في كفارة المرض / رقم : (٥٣٢١) ، والموطأ في العين ٢ / ٩٤١ رقم : (١٦٨٣).