على أن الثواب على الألم من حيث هو ألم لا من حيث الصبر عليه أو الرضا به ، لا على ما ذهب إليه الشيخ أبو محمد بن عبد السلام من أن الثواب على الصبر أو الرضا به كما دل عليه قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) (سورة البقرة : ١٥٥ إلى ١٥٧) فإن الأحاديث عنده مؤولة بما يوافق الآية ، وقد قدمنا لهذا المحل مزيد تحرير.
وقوله : (ولا يجوز) عطف على قوله : «يجوز» ، أي : ولا يجوز عقلا عند مانعي تكليف ما لا يطاق (أن يكلفه) أي : أن يكلف الله العبد (أن يحمل جبلا بحيث إذا لم يفعل يعاقب) وجوّزه الأشاعرة (قال تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (سورة البقرة : ٢٨٦) ، وعن هذا النص ذهب المحققون ممن جوّزه عقلا من الأشاعرة إلى امتناعه سمعا ، وإن جاز عقلا) لدلالة النص المشار إليه على عدم وقوع التكليف بما لا يطاق ، وإلا لزم وقوع خلاف خبره تعالى (١).
قال المصنف : (وإيرادنا) معشر محققي الحنفية (لهذا النص لإبطال الدليل الثاني) من دليلي المجوزين السابق ذكرهما ، (فإنه لو صح بجميع مقدّماته لزم وقوعه) أي : وقوع تكليف ما لا يطاق ، (وهو) أي : وقوعه (خلاف صريح النص) ، أي : الآية (لا للاستدلال) أي : وليس إيرادنا النص لنستدل به (على عدم جوازه) أي : جواز وقوع تكليف ما لا يطاق (منه تعالى ؛ لأن ذلك) أي : عدم جوازه عقلا ليس مدلول النص ، بل هو (بحث عقلي مبني على أن العقل يستقل بدرك) بسكون الراء ، أي : إدراك (صفة الكمال وضدها) أي : صفة النقص (كما سنذكره في آخر هذا الفصل. فهذا نقض) للدليل الثاني (إجمالي) إذ لم يرد على مقدمة معينة.
(والحل) الذي به يتضح محل النزاع (أن المراد بما لا يطاق) في قولنا : يمتنع تكليف ما لا يطاق هو (المستحيل لذاته ، أو) المستحيل (في العادة ،) ويتضح ذلك بأن تعلم أن المستحيل ثلاثة أنواع : ١ ـ مستحيل لذاته وهو المحال عقلا ؛ كجمع النقيضين والضدين ، و ٢ ـ مستحيل عادة لا عقلا كالطيران من الإنسان ، و (كما ذكرناه في التكليف بحمل جبل ،) و ٣ ـ مستحيل لتعلق العلم الأزلي بعدم وقوعه أو إخبار الله تعالى بعدم وقوعه ، كإيمان من علم الله تعالى أنه
__________________
(١) لا شك أن الأشاعرة لا يقصدون بالتكليف بما لا يطاق التكليف الشرعي ، وإنما العقلي ، بناء على مبدئهم القائل بالإرادة المطلقة لله سبحانه.