المعتزلة ، بل (بمعنى أنه يتعالى عن ذلك) لأنه غير لائق بحكمته ، (فهو من باب التنزيهات ، إذ التسوية بين المسيء والمحسن) أمر (غير لائق بالحكمة في فطر سائر العقول) جمع فطرة ، بمعنى الخلقة ، و «الحكمة» : وضع الأمور مواضعها على ما ينبغي لها ، (وقد نص الله تعالى على قبحه حيث قال : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ)) أي : اكتسبوها (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [الجاثية : ٢١] فجعله) تعالى أي : جعل حكمهم بأنهم كالذين آمنوا في استواء حياتهم ومماتهم في البهجة والكرامة حكما (سيّئا) أي : قبيحا ، ومحل الكلام في إعراب الآية على قراءتي الرفع والنصب في «سواء» وبيان المعنى على كل من القراءتين كتب التفسير (١) ، وسيأتي في الأصل الأول من الركن الرابع كلام في هذا المعنى (٢).
(هذا) الذي ذكره المصنف كلام (في التجويز) أي : تجويز تعذيب المحسن المذكور (عليه) تعالى عقلا (وعدمه) أي : عدم التجويز المذكور (أما وقوع) أي : وقوع ذلك منه تعالى (فمقطوع بعدمه) وفاقا ، (غير أنه عند الأشاعرة للوعد بخلافه) فإنه تعالى وعد في كتبه المنزلة وعلى ألسنة رسله بإثابة الطائع ، (وعند الحنفية وغيرهم) كالمعتزلة (لذلك) الوعد (ولقبح خلافه) أي : خلاف الموعود به من الإثابة ، (وقد تقدم أن محل الاتفاق) في الحسن والقبح العقليين (إدراك العقل قبح الفعل بمعنى صفة النقص وحسنه بمعنى صفة الكمال ، وكثيرا ما يذهل أكابر الأشاعرة عن محل النزاع في مسألتي التحسين والتقبيح العقليين لكثرة ما يشعرون في النفس أن لا حكم للعقل بحسن ولا قبح ، فذهب) لذلك (عن خاطرهم محل الاتفاق) وهو الحسن بمعنى صفة الكمال والقبح بمعنى صفة النقص ، (حتى تحير كثير منهم) أي : من أكابر الأشاعرة (في الحكم باستحالة الكذب عليه) تعالى (لأنه نقص) (٣).
__________________
(١) انظر : الجامع لأحكام القرآن ، لأبي عبد الله القرطبي ، ٨ / ١٥٥ : فقد فسر «سواء» بالضم على مذهبه في الرواية ؛ أي رواية ورش من قراءة نافع ، ثم قال : وقرأ حمزة والكسائي والأعمش «سواء» بالنصب ، واختاره أبو عبيد ، وقال : معناه نجعلهم سواء.
(٢) انظر : ص ٢٤٩.
(٣) منشأ تحير الأشاعرة أن الذي يضفي شرعية الحسن والقبح هو الشارع وليس العقل ؛ فالمسألة في المفهوم وليست في النتيجة ، فلا شك أن من أقدس مبادئ الأشاعرة ؛ تنزيه الله عن النقائص ، وأهمها الكذب ...