(لما ألزم) المعتزلة (القائلون بنفي الكلام النفسي القديم) الأشاعرة القائلين بإثباته (الكذب على تقدير قدمه في الإخبارات) قالوا : قد أخبر الله تعالى بلفظ الماضي ، نحو : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) (سورة القدر : ١) (إِنَّا أَرْسَلْنا) (سورة نوح : ١) ، ولا شك أنه لا إنزال ولا إرسال في الأزل ، فلو كان كلامه قديما لكان كذبا ؛ لأنه إخبار بالوقوع في الماضي ، ولا يتصور ما هو ماض بالقياس إلى الأزل ، فالكذب مفعول ل «ألزم» ، و «في الإخبارات» ظرف للكذب ، والضمير في «قدمه» للكلام (وهو) أي : الكذب (مستحيل عليه) تعالى (لأنه نقص).
وقد أجاب الأشاعرة عنه : بأنه إنما يدل على حدوث اللفظ وهو غير المتنازع كما هو محقق في محله ، وقد مر في مباحث صفة الكلام.
وقوله : (حتى قال بعضهم) غاية لقوله : «حتى تحير كثير منهم» ، أي : فأدى تحير الكثير من أكابر الأشاعرة إلى أن قال بعضهم : (ونعوذ بالله مما قال ، لا يتم استحالة النقص عليه) تعالى (إلّا على رأي المعتزلة القائلين بالقبح العقلي (١) ، و) حتى (قال إمام الحرمين : «لا يمكن التمسك في تنزيه الرب جلّ جلاله عن الكذب بكونه نقصا لأن الكذب عندنا لا يقبح لعينه» (٢) ، و) حتى (قال صاحب «التلخيص» (٣) : «الحكم بأن الكذب نقص إن كان عقليا كان قولا بحسن الأشياء وقبحها عقلا ، وإن كان سمعيا لزم الدور» (٤) ، وقال صاحب «المواقف» : «لم يظهر لي فرق بين النقص العقلي والقبح العقلي بل هو هو بعينه») كذا هو فيما وقفت عليه من نسخ المتن ، وهو نقل عن «المواقف» بالمعنى ، وعبارة «المواقف» : «لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل والقبح العقلي ، فإن النقص في الأفعال هو القبح العقلي» (٥). اه.
(وكل هذا منهم) أي : من القائلين المذكورين (للغفلة عن محل النزاع حتى
__________________
(١) انظر : شرح المقاصد ، ٤ / ١٥٩.
(٢) الإرشاد ، ص ٢٧٩.
(٣) هو أبو إسحاق الأسفراييني ؛ الإمام إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الأسفراييني ، الملقب بركن الدين ، عرف بالاجتهاد والورع. توفي سنة (٤١٨ ه). له : «التعليقة في أصول الفقه» وغيره. (وفيات الأعيان : ١ / ٩٠٨).
(٤) التلخيص كتاب للشهرستاني وعنوانه كاملا : «تلخيص الأقسام لمذاهب الأنام في الكلام». ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون : ١ / ٤٧٢ ، وطاش كبرى في مفتاح السعادة : ١ / ٢٦٤.
(٥) المواقف ، ص ٢٩٦.