قال بعض محققي المتأخرين منهم) أي : من الأشاعرة ، وهو المولى سعد الدين في «شرح المقاصد» (بعد ما حكى كلامهم هذا :) الذي أوردناه عنهم إلى آخر كلام «المواقف» («وأنا أتعجب من كلام هؤلاء المحققين الواقفين على محل النزاع في مسألتي الحسن والقبح) العقليين ، كيف لم يتأملوا أن كلامهم هذا في محل الوفاق لا في محل النزاع؟
فإن قيل : محل النزاع ومحل الوفاق إنما هما في أفعال العباد لا في صفات الباري سبحانه.
قلنا : لا خلاف بين الأشعرية وغيرهم في أن كل ما كان وصف نقص في حق العباد فالباري تعالى منزه عنه ، وهو محال عليه تعالى ، والكذب وصف نقص في حق العباد.
فإن قيل : لا نسلم أنه وصف نقص في حقهم مطلقا ؛ لأنه قد يحسن ، بل قد يجب في الإخبار لسائل عن موضع رجل معصوم يقصد قتله عدوانا.
قلنا : لا خفاء في أن الكذب وصف نقص عند العقلاء ، وخروجه لعارض الحاجة للعاجز عن الدفع إلا به لا يصح فرضه في حق ذي القدرة الكاملة الغني مطلقا سبحانه ، فقد تم كونه وصف نقص بالنسبة إلى جناب قدسه تعالى ، فهو مستحيل في حقه عزوجل (١).
(ثم قال صاحب «العمدة» من الحنفية :) وهو العلامة أبو البركات النسفي (٢) (تخليد المؤمنين في النار والكافرين في الجنة يجوز عقلا عندهم) يعني الأشاعرة ، قالوا : (إلا أن السمع ورد بخلافه) فيمتنع وقوعه لدليل السمع ، (وعندنا) معشر الحنفية (لا يجوز. اه) (٣) كلام العمدة مع إيضاحه.
وقوله : «لا يجوز» ، أي : عقلا ، قال شيخنا المصنف : (والأول) يعني قول الأشعرية (أحب إليّ ، لا الثاني) يعني قول الحنفية ، فليس أحب إلي لا مطلقا
__________________
(١) انظر : شرح المقاصد ، ٤ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧. والكلام مقتبس.
(٢) أبو البركات النسفي : حافظ الدين ؛ أبو البركات ، عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي ، له مؤلفات عديدة ؛ منها : «الكافي في شرح الوافي» وكتاب» العمدة في أصول الدين». توفي سنة ٧١٠ ه. (الجواهر المضيئة ، ٤ / ٢٧٠ ، والأعلام ، ٤ / ١٩٢)
(٣) عمدة أهل السنة والجماعة ، ص ٢٥.