ولكن (إذا أريد بالمؤمنين الفسقة ، لجواز) أي : لأنه يجوز عقلا (أن يعذب) الفاسق (على الذنب الذي أصرّ عليه) إلى أن مات (أبدا كالكفر) على ما ذهب إليه المعتزلة من تأبيد عذابه ، إذ لا مانع من ذلك عقلا (لو لا النصوص الواردة بتفضله) تعالى (بخلافه) إذ لا مانع من ذلك عقلا ، (ولأن الثاني) وهو تخليد الكافرين في الجنة لو قدّر وقوعه لكان (من باب العفو) عنهم (وهو جائز في نظر العقل) لا منع منه عنده (إلا أن صاحب «العمدة» لما اختار أن العفو عن الكفر لا يجوز عقلا) وفاقا للمعتزلة (وخلافا للأشعري) في قوله : إن امتناعه بدليل السمع لا بالعقل (كان امتناع تخليد الكافر في الجنة لازم مذهبه) أي : مذهب صاحب «العمدة» ؛ لأن عدم جواز العفو عن الكفر ، بأن يعاقب عليه أبدا يلزمه عدم جواز دخول الكافرين الجنة عقلا.
(ونحن لا نقول بامتناعه) أي : امتناع العفو عن الكفر (عقلا ، بل) نقول بامتناعه (سمعا) كالأشعري (وظنهم) أي : الحنفية (أنه) أي : العفو عن الكفر (مناف للحكمة لعدم المناسبة) أي : لعدم مناسبة العفو للكفر ؛ لأنه إغراء بالكفر (غلط) منهم ؛ لأن مجرد احتمال العقوبة يصلح زاجرا للعاقل عن ارتكاب الباطل ، فكيف بالآيات القاطعة وأحاديث الوعيد الشائعة بوقوع العذاب لا محالة.
(قولهم :) أي : صاحب «العمدة» ومن وافقه (تعذيبهم) أي : الكفار (واقع) لا محالة بالاتفاق منّا ومنكم معشر الأشعرية ومن وافقكم ، (فيكون) وقوعه (على وجه الحكمة) كما هو شأن أفعال العزيز الحكيم سبحانه ، (فعدمه) أي : التعذيب بأن يعفى عنهم (على خلافها) أي : على خلاف الحكمة الذي يجب تنزيه أفعاله تعالى عنه.
(قلنا :) بعد التنزل إلى تسليم قاعدة الحسن والقبح العقليين (هذا) الجزم منكم بلزوم كون العفو على خلاف مقتضى الحكمة (للقصور) منكم (عن فهم مناسبة الشيء الواحد (للضدين ، وهو) أي : مناسبة الشيء الواحد للضدين (١) (ثابت في الشاهد ، حيث ثبت في العقل مناسبة قتل الملك لعدوه إذا ظفر به) تشفيا لما عنده من الحنق عليه ، (وعفوه عنه إظهارا لعدم الالتفات إليه تحقيرا
__________________
(١) مناسبة الشيء للضدين : صلاحية الشيء الواحد لفعلين متضادين ، كصلاحية النار للإحراق والإتلاف ، وصلاحيتها للتداوي بالكي ، وطرق إثبات هذه المناسبة العادة والاستقراء.