لشأنه ، وقد قدّمنا أنه يستحيل عليه تعالى الاتصاف بحقيقة الحنق (١) أيضا ليتشفى بالعقاب) فالباعث على العقاب في الشاهد منتف في حقه تعالى.
(ثم قال :) أي : صاحب «العمدة» (لا يوصف) الله (تعالى بالقدرة على الظلم والسفه والكذب ؛ لأن المحال لا يدخل تحت القدرة) أي : لا يصلح متعلقا لها (وعند المعتزلة يقدر) تعالى على كلّ مما ذكر (ولا يفعل» (٢). اه) كلام صاحب «العمدة» (و) كأنه انقلب عليه ما نقله عن المعتزلة ، إذ (لا شك في أن سلب القدرة عما ذكر) من الظلم والسفه والكذب (هو مذهب المعتزلة ، وأما ثبوتها) أي : القدرة على ما ذكر (ثم الامتناع عن متعلقها) اختيارا (فبمذهب) أي : فهو بمذهب (الأشاعرة أليق) منه بمذهب المعتزلة ، (و) لا يخفى أن هذا الأليق أدخل في التنزيه أيضا ، إذ (لا شك) في (أن الامتناع عنها) أي : عن المذكورات من الظلم والسفه والكذب (من باب التنزيهات) عما لا يليق بجناب قدسه تعالى ، (فيسيّر) بالبناء للمفعول ، أي : يختبر (العقل في أنّ أيّ الفصلين أبلغ في التنزيه عن الفحشاء ؛ أهو القدرة عليه) أي : على ما ذكر من الأمور الثلاثة (مع الامتناع) أي : امتناعه تعالى (عنه مختارا) لذلك الامتناع (أو الامتناع) أي : امتناعه عنه (لعدم القدرة) عليه؟ (فيجب القول بأدخل القولين في التنزيه) وهو القول الأليق بمذهب الأشاعرة.
(هذا الذي ذكرنا) من الكلام في هذا المحل (يرجع إلى أمر الآخرة ، أما في الدنيا) أي : أما ما نذكره بالنسبة إلى أمر الدنيا (فلا نزاع) بين المعتزلة وغيرهم (في وقوع الإيلام) فيها كما هو مشاهد ، (بل النزاع في إيجاب العوض باعتباره ، والحنفية لا يوجبونه) على الله سبحانه وفاقا للأشاعرة و (خلافا للمعتزلة) القائلين بوجوبه عليه تعالى علوا كبيرا.
(و) الحنفية كالأشاعرة (يعتقدون فيه) أي : وقوع الإيلام في الدنيا (حكمة الله سبحانه ، فقد تدرك) تلك الحكمة على وجه القطع (كتكفير الخطايا ورفع الدرجات) الواردين في الكتاب والسنة ، (وقد تظن) الحكمة فيه (كتطهير النفس من
__________________
(١) الحنق : بفتح الحاء والنون : شدة الاغتياظ ، حنق عليه ، يحنق حنقا وحنقا ، وفي حديث عمر : «لا يصلح هذا الأمر إلا لمن لا يحنق على جرّته». أي : لا يحقد على رعيته ، فالحنق : الغيظ كذلك ، فهذا محال في حق الباري سبحانه ؛ لأنه غني عن العالمين ، ولا يبعثه شيء على شيء. (انظر معنى الحنق في لسان العرب ، ٣ / ٣٦٤)
(٢) العمدة ، ص ٢٥.