أخلاق لا تليق بالعبدية) أي : لا يليق الاتصاف بها لقبح آثارها بمن هو عبد ؛ من الحسد والكبر والبطر والقسوة وغيرها ، فإنها تقتضي التعدي بإيذاء أبناء النوع فيصب على المتعدي الألم الحسي في بدنه والمعنوي بقبض الرزق وشدة الفقد (ليتضرع) لمولاه سبحانه في رفع تلك الأخلاق والتوبة عليه من آثارها (فيتحقق بوصف العبودية) أي : يثبت له الاتصاف بالخضوع والذل (لعز الربوبية) كما ينبه على ذلك قوله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) (سورة الشورى : ٢٧) أي : لتكبروا وأفسدوا فيها بطرا ، أو لبغي بعضهم على بعض استيلاء واستقلالا ، والبغي كما في «الصحاح» : التعدي والاستطالة ، وفي «المحكم» : إنه العلو والظلم (إلى قوله : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (سورة الشورى : ٢٧)) يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم ، فيقدر لهم بحسب مشيئته ما يناسب شأنهم.
ولما كان هذا المحل مظنة سؤال أشار المصنف إليه وذكر جوابه ، أما السؤال فهو أن يقال : إنه (١) قادر على رفع تلك الأمور المبعدة للعبد عن حضرة القدس دون إدخال مشقة على العبد ، فهل في إدخال المشقة من حكمه؟ والإشارة إليه بقوله : (والله تعالى وإن كان قادرا على رفع تلك المبعدات) عن حضرة القدس (والرذائل النفسية) من الكبر والبطر ونحوهما من الأمور التي تنشأ عنها تلك المبعدات (دون كلفة) أي : مشقة على العبد.
وأما الجواب فبقوله : (لكن حكمة الربوبية اقتضت حسن السعي) من العبد في طلب رضا مولاه ، وإزالة تلك المبعدات وأسبابها (و) اقتضت (ولوج) العبد لتلك (المشتقات) بأن يتحملها ، أو ولوج المشقات على العبد ليتحملها (في رضا المالك) له (على التحقيق) سبحانه. (وهذا) السعي وتحمل المشقات في رضا المالك (مما يستحسنه العقل السليم ويراه زيادة إحسان) من العبد (فيما ينبغي للعبد) أن يفعله (مع سيده ومالك رقّه).
ولله در القائل :
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا |
|
ما من يهون عليك ممن أكرم |
(ولهذا فضل) من تحمل ألم مخالفة النفس والهوى من العبيد في رضا
__________________
(١) ساقطة في (ط) : تعالى.