البهيمة أشد من خصومة المسلم يوم القيامة ، كخصومة الذمي) فإنها أشد من خصومة المسلم يوم القيامة.
ويشهد لهذا حديث أبي داود : «من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» (١) ، ومن كان أبلغ الخلق صلىاللهعليهوسلم حجيجه فخصومته أشد.
وورد الوعيد الشديد في البهيمة ، ففي صحيح البخاري وغيره : «دخلت امرأة النار في هرة ؛ ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» (٢) وخشاش الأرض : بتثليث الخاء المعجمة وبشينين معجمتين هو حشرات الأرض والعصافير ونحوها (٣).
وقوله : (وقد لا تدرك) قسيم لقوله فيما سبق : «فقد تدرك» ، أي : وقد لا تدرك الحكمة في الإيلام (كما في) إيلام (البهائم ونحوها) من الأطفال الذين لا تمييز لهم بالأمراض ونحوها ، (فيحكم بحسنه قطعا) إذ لا قبح بالنسبة إليه وفاقا (ويعتقد فيه) أي : في ذلك الإيلام (قطعا) دون تردد (حكمة) لله سبحانه ، (قصرنا) أي : قصرت عقولنا (عن دركها ، فيجب التسليم له) تعالى فيما يفعله ، (و) يجب (اعتقاد الحقية في فعله) أي : أنه حق أي مستحق له سبحانه إذ هو تصرف فيما يملك ، (و) يجب (ترك الاعتراض) لقصور العقول عن إدراك الحكم الإلهية (له الحكم) كما قال تعالى : (لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (سورة القصص : ٧٠) ، (و) له (الأمر) كما قال تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (سورة الأعراف : ٥٤) لا شريك له في إيجاد شيء من المخلوقات ، ولا في إمداده بالبقاء ، ولا في إعدامه بالفناء ، ولا في استحقاق امتثال أمره ونهيه سبحانه (لا يسأل عما يفعل بحكم ربوبيته) أي : ملكه لكل شيء ، الملك الحقيقي (وكمال علمه) القديم المحيط بكل شيء أزلا وأبدا (وحكمته الباهرة التي قد يقصر عن دركها عقول الكمّل) من عباده ، جمع «كامل» ، كما قال تعالى : ((وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (سورة البقرة : ٢١٦) وهم) أي : العباد (يسألون بحكم العبودية والمملوكية) لاقتضائها أن العبد
__________________
(١) رواه أبو داود برقم : (٣٠٥٢) بلفظ : «ألا من ظلم» ، وفي إسناده مجاهيل ، عن صفوان بن سليم.
(٢) رواه البخاري في بدء الخلق ، باب خمس من الدواب ... رقم : (٣٣١٨) ، ومسلم رقم : (٢٢٤٢).
(٣) انظر : مختار الصحاح ، ص ١٧٦.