وقد حاول المصنف مستند النقل المحقق فقال : (وكأنه لما كان حاصل دليلهم) أي : البراهمة المنقول عنهم استحالة البعثة (نفي الفائدة) في البعثة بزعمهم الباطل قالوا : (لأن ما جاء به) الرسول (إما موافق لمقتضى العقل) بأن يدرك العقل حسنه (فلا حاجة إليه) إذ العقل مغن عنه ، (أو مخالف) لمقتضى العقل (١) بأن يدرك قبحه (فيترك) عملا بالعقل ، إذ هو حجة الله على خلقه ، (ظن عدم الاستحالة) جواب ل «ما» ، أي : لمّا كان حاصل دليل البراهمة ما ذكر ظن الناظر فيه أن البعثة ليست مستحيلة عندهم ، وأنهم إنما يقولون بعدم الاحتياج إلى البعثة لا باستحالتها (لكن يبعد أن يخفى عليه) أي : على هذا المحقق (أن نفيهم الفائدة في أفعال الله تعالى يوجب القول بالاستحالة عند هؤلاء وأضرابهم) ممن يعتبر تحسين العقل وتقبيحه (لاستحالة العبث) في أفعاله تعالى ، (وهو ما لا فائدة فيه).
(والجواب) عن استدلالهم من وجوه : الأول : (إن العقل لا يهتدي إلى الأفعال المنجية في الآخرة) ليأتي بها ، (كما لا يهتدي) أي : العقل (إلى تمييز الأدوية المفيدة للصحة من السمومات) المهلكة (إلا بالطبيب) العارف بها لتمييزها ويوقف عليها ، (فالحاجة إليه) أي : إلى الرسول (كالحاجة إليه) أي : إلى الطبيب ، إذ الرسالة سفارة بين الحق تعالى وبين عباده ليزيح بها عللهم فيما قصرت عنه عقولهم.
وقوله : (ولأن) عطف باعتبار التوهم ، إذ المعنى : البعثة جائزة واقعة لا غنى عنها أبدا سرمدا لا في الدنيا ولا في الآخرة لأن العقل لا يهتدي ... الخ ، ولأن (العقل) وهو الوجه الثاني من أوجه الجواب ، ولو قال : «وأن» لما احتاج إلى التأويل ، إذ المراد : والوجه الثاني أن العقل (لا يستقل بالكل) أي : بإدراك كل الأمور ، بل يدرك البعض استقلالا ويقصر عن إدراك البعض ، فلا يهتدي إليه بوجه ، (ويتردد في البعض : فما استقل) العقل (به) أي : بإدراكه ؛ كوجود الباري تعالى وعلمه وقدرته (عضده) ما جاء به النبي (وأكده ،) فكان بذلك بمنزلة تعاضد الأدلة العقلية إلزاما بالنقلية ، (وما قصر) العقل (عنه) أي : عن إدراكه كالرؤية والمعاد الجسماني و (كقبح الصوم في يوم كذا) كأول شوال وعاشر ذي الحجة ، (وحسنه في يوم كذا) كآخر رمضان (بيّنه) النبي ، إذ العقل يقصر عن إدراك الرؤية والمعاد الجسماني وإدراك حسن صوم آخر يوم من رمضان وقبح صوم أول يوم من
__________________
(١) في (م) : الفعل.