شوال (١) ، (وما تردد فيه) العقل دون رجحان لأحد الطرفين عنده (رفع عنه الاحتمال فيه) كشكر المنعم قبل ورود الشرع ، إذ يحتمل أن يمنع من الإتيان به لأنه تصرف في ملك الله سبحانه بغير إذن منه ، ويحتمل أن يمنع من تركه لكونه ترك طاعة ، (وإن غلب ظن حسنه) فكان قبحه متوهما (قطع) ما جاء به النبيّ (مزاحمة الوهم فيه للعقل) (٢).
وقوله : (ولأن) هذا هو الوجه الثالث ، والعطف فيه على المنوال السابق ، وتقريره : أن (العقول تتفاوت) فقد يستحسن جماعة فعلا ويستقبحه آخرون ، (فالتفويض إليها) أي : العقول (يؤدي إلى فساد التقاتل) أي : القتال ، (و) فساد (الخراب) للتنازع المؤدي إليهما ، (والنهي) عن الإقدام على الفعل المتنازع فيه (المخبر به النبيّ) أي : نهي الإله الذي يخبر به عنه النبي (يحسم هذه المادة) أي : مادة الفساد الذي يؤدي إليه التنازع. (وما قيل) من قبل المنكرين للنبوة (أنه) أي : البعث (يتوقف على علم المبعوث) أي : النبي (بأن الباعث له هو الله تعالى ولا سبيل) له (إليه) إذ لعله من إلقاء الجن ، فإنكم معشر المليّين على القول بوجود الجن وعلى جواز إلقائهم الكلام إلى النبي (فممنوع ،) خبر «ما قيل» ، وقد ذكر سند المنع لوجهين : الأول : بقوله : (إذ قد ينصب) الباعث تعالى (له) أي : للمبعوث (دليلا) يعلم به أن الباعث له هو الله سبحانه وتعالى ، بأن يظهر له آيات ومعجزات ليس مثلها من شأن مخلوق تفيده هذا العلم.
والثاني : بقوله : (أو يخلق) بالبناء للمفعول (له) أي : للمبعوث (علم ضروري) بأن الباعث له هو الله سبحانه وتعالى.
واعلم أن الفلاسفة يثبتون النبوة لكن على وجه مخالف لطريق أهل الحق ، لم يخرجوا به عن كفرهم ، فإنهم يرون أن النبوة لازمة في حفظ نظام العالم المؤدي إلى صلاح النوع الإنساني على العموم ، لكونها سببا للخير العام المستحيل
__________________
(١) وهو بحث معقول المعنى وغير معقول المعنى : فالعبادة المحضة غير معقولة المعنى ؛ أي غير مفهومة ، وهي دائما مفتقرة إلى نية ؛ كالصلاة وغيرها ، مما أمرنا بالتعبد بها دون البحث عن القصد ، أما المعقول فهو مفهوم المعنى كغسل النجاسة فإنها غير مفتقرة إلى نية. انظر : بداية المجتهد ، ص ٨.
(٢) الوهم : هو إدراك أمر غير محسوس ، يتعلق غالبا بالأمور الكاذبة المخالفة للواقع ، ويكون دائما في سير معاكس لاتجاه العقل ، فربما يحكم العقل بإثبات شيء ويقوم الوهم بخلافه ، ويتحدد دائما في صورة طرف المرجوح وترك الراجح ، لذا عبر المصنف ابن الهمام (بمزاحمة الوهم فيه للعقل).