تركه في الحكمة والعناية الإلهية ؛ لكنها عندهم بمعنى مخالف لمعناها عند أهل الحق ، فإنهم يرون أنها مكتسبة ، وينكرون صدور البعثة عن الباري تعالى بالاختيار ، لإنكارهم كونه تعالى مختارا ، وينكرون كونها بنزول الملك من السماء بالوحي لإنكارهم نزول الملك لاستحالة خرق الأفلاك عندهم ، وينكرون كثيرا مما علم بالضرورة مما جاء به الأنبياء به كحشر الأجساد ، والجنة والنار ، وذلك الإنكار مما كفروا به (١).
وطريق المعتزلة بيّنها المصنف بقوله : (وقد قالت المعتزلة بوجوب البعثة) على الله تعالى (لما عرف من أصلهم) الفاسد (في وجوب الأصلح) عليه تعالى ، كذا نقل في «المقاصد» و «شرحه» (٢) الوجوب عن المعتزلة مطلقا ، والذي في «المواقف» (٣) أن بعض المعتزلة قال : تجب البعثة على الله تعالى ، وفصّل بعضهم فقال : إذا علم الله من أمة أنهم يؤمنون وجب الإرسال إليهم ، لما فيه من استصلاحهم ، وإن علم أنهم لا يؤمنون لم يجب ، ولكن يحسن قطعا لإعذارهم ، وهو أيضا مبني على أصلهم الفاسد وهو التحسين والتقبيح عقلا.
(وقول جمع من متكلمي الحنفية مما وراء النهر أن إرسالهم) أي : الأنبياء (من مقتضيات حكمة الباري) أي : من الأمور التي اقتضتها حكمته (جلّ ذكره ، فيستحيل أن لا يكون) أي : أن لا يوجد الإرسال ، هذا المقول (عند تفهم معنى وجوب الأصلح مما قدمناه) في الأصل الرابع من هذا الركن (هو معناه) أي : مقول قول الجمع المذكورين هو معنى قول المعتزلة بوجوب البعثة أو بوجوب الأصلح ، ف «قول» مبتدأ والظرف وهو قوله : «عند» حال من «القول» ، و «هو» ضمير الفصل ، والخبر قوله : «معناه». وما قدمه في الأصل الرابع في معنى الوجوب هو قوله هناك : «واعلم أنهم يريدون بالواجب ... الخ» (٤).
__________________
(١) وقد تتبع الإمام أبو حامد الغزالي ما تهافتوا فيه ، ونقض إنكاراتهم في كتابه القيم (تهافت الفلاسفة) ، وعلى رغم رد ابن رشد عليه في تهافت التهافت فإن تأثير الغزالي بكتابه كان قويا ، وانكمشت بعده رقعة الإنكار.
(٢) انظر : شرح المقاصد ، ٥ / ٥ ، ٧.
(٣) انظر : المواقف ، ص ٣٤٢.
(٤) الواجب عند المعتزلة : هو الذي يشتمل تركه على مفسدة ، وعلى ذلك أوجبوا على الله أمورا منها : اللطف ، الثواب على الطاعة لاستحقاق العبد ، العقاب على المعصية لاستحقاقها أيضا ، الأصلح للعبد في الدنيا ، بناء على أن تركها يؤدي إلى مفاسد.