(وقوله في «عمدة النسفي») : أي : قول أبي البركات النسفي في «عمدته» (في البعثة) أنها (في حيّز الإمكان ، بل في حيز الوجوب تصريح به) أي : بالوجوب ، وعبارته : «إرسال الرسل مبشرين ومنذرين في حيز الإمكان بل في حيز الوجوب» (١) ، وظاهره استحالة تخلفه (لكنه) أي : صاحب «العمدة» (أراد به) أي : بالوجوب (خلاف ظاهره) ويمكن حمله على إرادة وجوب الوقوع لتعلق العلم القديم بوقوعه ، فإن ذلك لا ينافي إمكانه في نفسه ، (إذ الحق أن إرسالهم لطف من الله) تعالى (ورحمة) منّ بها (على عباده ، ومحض فضل وجود) والجمع بين هذه الألفاظ المتقاربة المعنى لتوفية مقام الإطناب حقه من تقرير المعنى وتأكيده ، إذ «اللطف» هنا : إيصال البر على وجه الرفق دون العنف ، و «الرحمة» : إرادة إيصال البر أو إيصاله ، و «الجود» : إفادة ما ينبغي لا لعوض ، والكمال في كل منها ليس إلا له (لا إله إلا هو أرحم الراحمين). وقد تحصل لك مما قدمه أن من فوائد بعثة الأنبياء الاهتداء إلى ما ينجي في الآخرة ، لقصور العقل عن إدراكه ، وبيان ما يقصر العقل عن إدراكه سوى ذلك ، وتعاضد الشرع والعقل فيما أدركه العقل ، ورفع الاحتمال فيما تردد فيه العقل (وفي تفصيل محاسن إرسالهم) أي : الأنبياء (وفوائده) المترتبة عليه (طول) لا يليق بمثل هذا التأليف اللطيف الحجم (وفي تأمل اللبيب ما يستخرجها) أي : تلك الفوائد فيغني عن ذكرها ، ونحن نذكر منها بعضا كما هو وظيفة الشرح : فمنها : بيان منافع الأغذية والأدوية ومضارها التي لا تفي بها التجربة إلا بعد أدوار وأطوار ، مع ما فيها من الخطر.
ومنها : تعليم الصنائع الخفية من الحاجيات والضروريات. ومنها : تكميل النفوس البشرية بحسب استعداداتها المختلفة في العلميات والعمليات. ومنها : تعليم الأخلاق الفاضلة المتعلقة بصلاح الأشخاص ، والعادات (٢) الكاملة المتعلقة بصلاح الجماعات من أهل المنازل والمدن. (هذا) تمام الكلام في البعثة وفوائدها.
وأما المبعوثون فالإيمان بهم واجب ، من ثبت شرعا تعيينه منهم وجب الايمان بعينه ، ومن لم يثبت تعيينه كفى الإيمان به إجمالا (ولا ينبغي في الإيمان بالأنبياء القطع بحصرهم في عدد) ، إذ لم يرد بحصرهم دليل قطعي ؛ (لأن)
__________________
(١) العمدة ، ص ١٥.
(٢) في (م) : السّيادات.